أن السؤال دوماً : مالذي اصاب
الشعب السعودي , و لماذا دوماً نحن مختلفين عن باقي الدول الإسلامية ..
سيهِبُ أحد أتباع الحزب اليميني قائلاً : لأننا مهبط الوحي , و أصل الدين و على العقيدة الصحيحة لذلك نحن
مستهدفون من و من ومن ...
لن يبقي ذلك اليمينيُ أحداً إلا و أقحمهُ في دائرة الإتهام
, وهي اسهل الدوائر و أقرب الحلول للتهرب من الإجابة أو من المسؤولية وقذفها في
رحم المتآمرين " إن وُجدوا أصلاً "
لن اتطرق لهذه المؤامرة في مقالتي .. فقد أوردتها وتحدثتُ
عنها في مقالتي السابقة " مؤامرة الوهم
" حسناً إذاً لنبحث قليلاً عن الإجابة عَلها تَكمن بعيداً عن أجندة المتآمرين
..
وقعت هذه الدولة من بعد 1980 تقريباً في براثن تيار أحادي
مُتمكن بإسم " الصحوه الدينية " و لنسرد
تاريخ الصحوة منذ البدء و ارهاصات نشأتها بدايةً من جماعة الإخوان و تأسيس الدولة
إلى حادثة جُهيمان التي صَعدت تلك "الصحوة"
على الناحية السياسية و الثقافية و الاجتماعية حتى أصبحت سائداً في المجتمع ..
وعلى الناحية الأخرى ظهرت مع بداية الألفية تقريباً ظهرت " الليبرالية على الطريقة السعودية" لتهدد
وحدة التيار الديني الصحوي المُحافظ على نهجه و خط سيرة , وشيئاً فشيئاً اصبحت
العدو اللدود لهذا التيار و العكس صحيح , فكلاهما عدوٌ للآخر .. في معركة البحث عن
" السلطة"
فهنا نستطيع القول بأن التيار الديني التقليدي " حزب اليمين" وعلى الضفة الأخرى التيار اليساري
التنويري " الليبراليين على الطريقة السعودية
" كلاهما ينشد حرباً للإطاحة بالآخر .. بشتى السُبل و الطرق !
- أنت ضدي .. اذاً أنت كافر
من حُمى التكفير المُستشريه في التيار الديني , وبرأيي إن
التكفير هو محاولة ناقصة و إثبات أعرج " لكمال
المُكَفر " و محاولته لبس عباءة الكمال و الفضيلة و السمو الديني ,
والتكفير لا يعتبر " أمرٌ محقق " إنما
هو "رأي" يقبل الرفض في كثير من الأحيان
, و في اغلب الأحيان مايكون التكفير ورقة إقصاء للخصم , فتكفيرهُ و تأجيج العوام
ضدهُ أسهل بكثير من مواجهته دون ضمان الإنتصار ..
و بما أن السائد متشبع بالتيار الصحوي .. حتى أصبح بالنسبة
لهُ منهجاً و مُسيراً دينياً , ما زاغ عنهم إلا هالك مُبتدع وفي الأخير " زنديقٌ , كافر "
كانت الامر أشبه بما يكون طرفه بالنسبة للتيار الديني في
حُمى التكفير , قبل أن يتحول لآفه نتاجها التيار الجهادي الأصولي " القاعدة " الذين ما فتروا الا وكفروا الدولة بحد
ذاتها , فأباحوا الدماء و أزهقوا الأرواح , فكانت النتائج الوخيمة واقعةٌ على رأس
التيار الديني ..
وبغض النظر عن تاريخ القاعدة أو الصحوة ..
نأتي هنا لأساس التكفير كما يَزعمون أنهُ مُنطلقٌ من المرجع
الأساسي للأمة " القرآن الكريم " حسب فهمهم الأحادي له , وبذلك إختزلوا التأويل
و التفسير لمذهبهم و أسقطوا كافة طرق الإجتهاد " إن
لم تكن تُوافق رأيي , فأنت مُبتدع وفي الأخير كافر " و استعجب كثيراً
, كيف يَحقُ لمؤمن تكفير مؤمن مثله .. والله عز وجل يصف نفسه في مُحكم تنزيله بـ
" الرحمن الرحيم " و قوله عز وجل " إن الله بالناس لرؤوفٌ رحيم " و قوله عز وجل
"كتب ربكم على نفسه الرحمة " وقوله عز
وجل " قولوا للناس حسناً "
ونأتي هُنا لجزئية ما الهدف من التكفير اساساً ؟ هل تكفير
رجل مسلم و هدر دمه و ماله من [ رحمة ] الله جل وعلى ..أو مما أمرنا به الله أي و
هو [ القول بالحسنى ] هل في التكفير حُسنى للناس و انكار " انتقاد " ..
هل يجوز تكفير الناس و اخراجهم من دين الله على مسائل
خلافية , أو قضايا جُزئية واقعه في طور الإجتهاد ؟
إن فرعون أشد الناس كُفراً ومع ذلك ارسل الله نبيهُ موسى
عليه السلام و اخاهُ هارون آمراً إياهُم باللين و القول الحسن في قوله عز وجل
" إذهبا إلى فرعونَ إنه طغى فقولا له قولاً ليناً , لعلهُ يتذكر أو يخشى
"
هل كان الله جل جلاله لا يعرف خاتمة فرعون وكفره ؟ أم هي
حكمةٌ منه سبحانه ليبلغ نبيه بمبدأ " القول اللين
" و لطف الله بعباده ..
أن بالتكفير لذةً لاتوصف .. إنها لذة الاستعلاء و التكبر و
البراءة و الطهورية , فهم لا يزدادون قناعةً بقوة إيمانهم .. إلا بتكفير مخالفيهم
فبه الخلاص والإخلاص
و من طرائف التكفير قصة عبدالله نهرو الطنطاوي الذي كان
اشهر المُكفرين على اتفه الاسباب و يراها برأيه آثاماً عُظمى : كالصلاة في المسجد [ لأن الحكومة الكافره هي من قامت ببناءة , أو دخول المدارس أو
حمل الهوية الوطنية و .. الخ
و يروي عبدالله نهرو قائلاً : انه
بدأ النقاش مع جماعته في الزنزانه بعد صلاة المغرب و كانوا ستة اشخاص , فأختلفوا ,
فكفروا بعضهم , فحين دخلت صلاة العشاء صلى كُلٌ منهم العشاء لوحده !!
لازمن أو لا وطن !
ان آفة الخلاف مابين التيارين اليميني واليساري أن كُلٌ
منهُما يرى في ابشع افعال الآخر ولا يرى نفسه ..
فاليمين يرى بالشمال الإلحاد و الكفر والإنحلال الأخلاقي
و اليسار يرى في اليمين التخلف و جمود العقل و الانغلاق و
السطحية
فلا هذا يسير ولا هذا يعبر يتناحرون فيما بينهم وفي كُل
طعنة يكيلها أحدهم لا تصيب الاخر .. بل هي تُدمي خاصرة الوطن و كم من الطعنات
سيحتمل الوطن !
في مقولة لعبدالله ابن المفقع اصاب بها اصل الخلاف قائلاً :
" الدين تسليم بالايمان , و الرأي تسليم بالاختلاف ,
فمن جعلَ الدين رأياً غرضه للإختلاف , ومن جعل الرأيَ ديناً قدسّه "
و خلاف الطرفين أن اتباع الأول قدسوا رأي فقهائهم في الدين
فأصبح الدين ما يراه الوعاظ و الفقهاء وكلامهم .. امتداد لقول الله , وهذا شأنٌ
خاطئ و آفةٌ عُظمى تجعل الرأي أحادياً و المجتمع كله يسير على رأي واحد مخالفهُ
" كافر "
وفي الناحية الأخرى التيار اليساري , يكفر برأي الأول كفراً
بواحاً , لأنهُ لا يقبل التبعية ولا يقبل الوصاية ولا يقبل أن يُفرض عليه أي رأي
لا يناسبه ..
بإمكان أي شخص أن يتفقه و يُكَون رأيه الخاص و تصوره عن
الدين مادام لم يجعل المُقدس نفسه " الدين
" عرضة للإختلاف في المسائل الأساسية و الاختلاف يكمن في الجُزئيات و
التأويلات ..
مثلاً : لك أن تُحرم تغطية الوجه مثلاً و لي أن أرفضها ..
هذا رأيٌ لا وحي , لن أكفر أن رفضته ولن أُكفرهُ إن أمرتَ به فقط [ اتركني وشأني
ودعكَ بشأنك ]
فالاختلاف واضح في المذاهب الأربعه لا خلاف عليه .. ومن
يفرض رأيه و يُبَدعُ بقية الآراء و يُسقطها يكون جاهلاً
إن هذا التناحر يقهقهر الوسط في المجتمع , ويفرض عليه
التَحزُب رغماً عنه ,حتى أن البعض يسألُ من أول حديث لك معه " أنت مطوع ولا ليبرالي؟ " فإن قُلت أنا وسط .. أسقطك
, و إن التحزب بين الشباب يسير على أشده فدوماً يرى الشباب في الوسط .. الصمت و
الخنوع و الخوف , فيريد الإثبات وهذا الامر برمته كَونَ جيلاً ممسوخاً , مابين
الغلو و الإنحلال , مابين الإنغلاق و التحرر التام ومابين البين مصيره الإنحياز إن
لم يتغير الوضع
على تويتر غرد الأستاذ شايع الوقيان تغريدة ثَريه قال فيها
" حاول المحافظون تقليد ابائهم فنسوا انفسهم , وحاول
المجددون أن يُقلدوا اصدقائهم , فنسوا انفسهم "
و اتفق معه في ذلك تماماً , فمع طفرة مواقع التواصل
الإجتماعي , ظهرَ وبتجلي قدر الإتحقان في الشارع السعودي , و تلك المعارك الكلامية
لاتنتهي و كثيراً ماتبدأ بسب وشتم و تنتهي بتصيد وتأليب و إسقاط , وهي اشدُ
مراراةً و خطراً على المجتمع من الحرب الحقيقية , لنأتي ونفكر مُجدداً , ماللذي
يُريدُه رواد الحزبين حقاً
هل هذه المعارك و الحروب الكلامية التي اشبه ماتكون بحرب
الضرائر ونميمتهن وكلٌ منهن تُكيل المكائدَ لتلمع نفسها أمام الزوج .. والزوج هنا
" المجتمع , الحكومه " وتلعب الحكومة
حيزاً أكبر كونها مالكةُ القرار .
هل هي حرب للحفاظ على الدين كما يزعم أهل اليمين , أم
معاركٌ للتنمية و البناء كما يزعم اليسار , وهل بالحرب أصلاً تنمية .. مزيدٌ من
الحقد و الإنشقاق و الفرقه
و الوسط .. هو الشعب الضحية دوماً ودائماً
إنها معاركٌ هوجاء لإثبات الرأي و الإنتصار الفكري لا أكثر
, وكلا الطرفين يقودنا إلى التهلكة بلا محالة , فاليمين الذي يُحاول جاهداً إيهام
نفسه بأن خلاصه و رفعته في إستنساخ الماضي و لصقه في الحاضر لهو أشبهُ بالحياة
أمواتاً , فيصرخُ أحدهم قائلاً : لقد كان المسلمون في الماضي وكانوا وكانوا , لنكن
مثلهم !
لن نكون مثلهم طبعاً لأننا أوقفنا الزمن وشوهنا الماضي بهذا
النهج الميت , في الماضي كان المسلمون في دأب لا يتوقف نحو العلم فأبتكروا كل
العلوم من رياضيات و فيزياء و كيمياء و فلسفة و منطق و شعر و فن و أدب بشتى صورة و
ألوانه , كانوا منفتحين على كُل الأديان و الأقوام , في مدينة قرطبة بالاندلس كان
اليهودي جاراً للمسلم و النصراني جاره الآخر , مُتآخين مُتاحبين كُلٌ مُلتزمٌ
بدينه وكُل يعمل لرفعة مجتمعه , لم يكن السُني حينها يقاتل الشيعي , ولم يتصيد
السلفي للصوفي , مهما كانت طائفتك أو مذهبك أنت مُسلم , و أنتَ أخي !
ان الفرقة تولد الضعف , والانغلاق على الماضي الزائل موت و
وهن , و الدين قائمٌ منذ 1400 عام لم يخالهُ زلل و لا خلل , الخوف هنا ليس على
الدين بل على الفكر الهش و التأويل الضعيف
الذي أقمت منهجكَ عليه !
و اليسار لن أُزكيه , ففعلته شنيعةٌ أيضاً فهو اضعف من أن
يؤسس منهجاً مترابطاً إسلامياً يجمع فيه التدين والعدل و كافة اسس الديمواقراطية ,
فآثر أن يستنسخ النسق الاوروبي و تنظيره بتعديل طفيف و الأمر بفرضه و العمل به وهو
يعلم أن النظرية ليست متكاملة وعند الممارسة ستسقط , إن الجمود و عدم قبول الرأي
ضعف و جهل فكيف لليسار أن ينادي بالحُريات و احترام الرأي , وهو يتكالب على أول
الإنتقادات و يصف كُل مُخالف بالرجعية و التخلف ..
فلا اليمين مشبعٌ ولا اليسار .. كلاهُما ضرعٌ
هزيل
ان النهضة لن تكون بالحروب الكلامية ولن تتأسسَ بالإنحياز
والاقصاء فشعبٌ مُفترق لا خير فيه , ولكم في ملوكَ الطوائف عبره ..
و مادام رواد الطرفين في إقتتال دائم .. لن نتفقَ على رأي
واحد و لن نقارب من وجهات النظر ابداً
لو استغنى الطرفين عن محاولة الإستئثار بالجمل وما حمل لن
تقوم لنا قائمة ولن نكون أمةً فاعلة ..
حاشية : لن نقبل أن نكون أمةً ميته , ولن نثور من الباطن مادام التناحُر قائماً
فالثورة ستضيع مابين اليمين و الشمال والشرق والغرب الثورة لا تتشرذم ولا تتحزب ..
المراجع:
القرآن
مقالات بعض الكتاب السعوديين
تويتر