الخميس، 31 مايو 2012

أنكون شعباً بلا زمن .. أم بلا هوية !






أن السؤال دوماً : مالذي اصاب الشعب السعودي , و لماذا دوماً نحن مختلفين عن باقي الدول الإسلامية ..
سيهِبُ أحد أتباع الحزب اليميني قائلاً : لأننا مهبط الوحي , و أصل الدين و على العقيدة الصحيحة لذلك نحن مستهدفون من و من ومن ...
لن يبقي ذلك اليمينيُ أحداً إلا و أقحمهُ في دائرة الإتهام , وهي اسهل الدوائر و أقرب الحلول للتهرب من الإجابة أو من المسؤولية وقذفها في رحم المتآمرين " إن وُجدوا أصلاً "
لن اتطرق لهذه المؤامرة في مقالتي .. فقد أوردتها وتحدثتُ عنها في مقالتي السابقة " مؤامرة الوهم " حسناً إذاً لنبحث قليلاً عن الإجابة عَلها تَكمن بعيداً عن أجندة المتآمرين ..

وقعت هذه الدولة من بعد 1980 تقريباً في براثن تيار أحادي مُتمكن بإسم " الصحوه الدينية " و لنسرد تاريخ الصحوة منذ البدء و ارهاصات نشأتها بدايةً من جماعة الإخوان و تأسيس الدولة إلى حادثة جُهيمان التي صَعدت تلك "الصحوة" على الناحية السياسية و الثقافية و الاجتماعية حتى أصبحت سائداً في المجتمع ..


وعلى الناحية الأخرى ظهرت مع بداية الألفية تقريباً ظهرت " الليبرالية على الطريقة السعودية" لتهدد وحدة التيار الديني الصحوي المُحافظ على نهجه و خط سيرة , وشيئاً فشيئاً اصبحت العدو اللدود لهذا التيار و العكس صحيح , فكلاهما عدوٌ للآخر .. في معركة البحث عن " السلطة"
فهنا نستطيع القول بأن التيار الديني التقليدي " حزب اليمين" وعلى الضفة الأخرى التيار اليساري التنويري " الليبراليين على الطريقة السعودية " كلاهما ينشد حرباً للإطاحة بالآخر .. بشتى السُبل و الطرق !


-      أنت ضدي .. اذاً أنت كافر
من حُمى التكفير المُستشريه في التيار الديني , وبرأيي إن التكفير هو محاولة ناقصة و إثبات أعرج " لكمال المُكَفر " و محاولته لبس عباءة الكمال و الفضيلة و السمو الديني , والتكفير لا يعتبر " أمرٌ محقق " إنما هو "رأي" يقبل الرفض في كثير من الأحيان , و في اغلب الأحيان مايكون التكفير ورقة إقصاء للخصم , فتكفيرهُ و تأجيج العوام ضدهُ أسهل بكثير من مواجهته دون ضمان الإنتصار ..
و بما أن السائد متشبع بالتيار الصحوي .. حتى أصبح بالنسبة لهُ منهجاً و مُسيراً دينياً , ما زاغ عنهم إلا هالك مُبتدع وفي الأخير " زنديقٌ , كافر "
كانت الامر أشبه بما يكون طرفه بالنسبة للتيار الديني في حُمى التكفير , قبل أن يتحول لآفه نتاجها التيار الجهادي الأصولي " القاعدة " الذين ما فتروا الا وكفروا الدولة بحد ذاتها , فأباحوا الدماء و أزهقوا الأرواح , فكانت النتائج الوخيمة واقعةٌ على رأس التيار الديني ..
وبغض النظر عن تاريخ القاعدة أو الصحوة ..
نأتي هنا لأساس التكفير كما يَزعمون أنهُ مُنطلقٌ من المرجع الأساسي للأمة " القرآن الكريم "  حسب فهمهم الأحادي له , وبذلك إختزلوا التأويل و التفسير لمذهبهم و أسقطوا كافة طرق الإجتهاد " إن لم تكن تُوافق رأيي , فأنت مُبتدع وفي الأخير كافر " و استعجب كثيراً , كيف يَحقُ لمؤمن تكفير مؤمن مثله .. والله عز وجل يصف نفسه في مُحكم تنزيله بـ " الرحمن الرحيم " و قوله عز وجل " إن الله بالناس لرؤوفٌ رحيم " و قوله عز وجل "كتب ربكم على نفسه الرحمة " وقوله عز وجل " قولوا للناس حسناً "
ونأتي هُنا لجزئية ما الهدف من التكفير اساساً ؟ هل تكفير رجل مسلم و هدر دمه و ماله من [ رحمة ] الله جل وعلى ..أو مما أمرنا به الله أي و هو [ القول بالحسنى ] هل في التكفير حُسنى للناس و انكار " انتقاد " ..
هل يجوز تكفير الناس و اخراجهم من دين الله على مسائل خلافية , أو قضايا جُزئية واقعه في طور الإجتهاد ؟
إن فرعون أشد الناس كُفراً ومع ذلك ارسل الله نبيهُ موسى عليه السلام و اخاهُ هارون آمراً إياهُم باللين و القول الحسن في قوله عز وجل " إذهبا إلى فرعونَ إنه طغى فقولا له قولاً ليناً , لعلهُ يتذكر أو يخشى "
هل كان الله جل جلاله لا يعرف خاتمة فرعون وكفره ؟ أم هي حكمةٌ منه سبحانه ليبلغ نبيه بمبدأ " القول اللين " و لطف الله بعباده ..

أن بالتكفير لذةً لاتوصف .. إنها لذة الاستعلاء و التكبر و البراءة و الطهورية , فهم لا يزدادون قناعةً بقوة إيمانهم .. إلا بتكفير مخالفيهم فبه الخلاص والإخلاص
و من طرائف التكفير قصة عبدالله نهرو الطنطاوي الذي كان اشهر المُكفرين على اتفه الاسباب و يراها برأيه آثاماً عُظمى : كالصلاة في المسجد [ لأن الحكومة الكافره هي من قامت ببناءة , أو دخول المدارس أو حمل الهوية الوطنية و .. الخ
و يروي عبدالله نهرو قائلاً : انه بدأ النقاش مع جماعته في الزنزانه بعد صلاة المغرب و كانوا ستة اشخاص , فأختلفوا , فكفروا بعضهم , فحين دخلت صلاة العشاء صلى كُلٌ منهم العشاء لوحده !!


لازمن أو لا وطن !

ان آفة الخلاف مابين التيارين اليميني واليساري أن كُلٌ منهُما يرى في ابشع افعال الآخر ولا يرى نفسه ..
فاليمين يرى بالشمال الإلحاد و الكفر والإنحلال الأخلاقي
و اليسار يرى في اليمين التخلف و جمود العقل و الانغلاق و السطحية
فلا هذا يسير ولا هذا يعبر يتناحرون فيما بينهم وفي كُل طعنة يكيلها أحدهم لا تصيب الاخر .. بل هي تُدمي خاصرة الوطن و كم من الطعنات سيحتمل الوطن !

في مقولة لعبدالله ابن المفقع اصاب بها اصل الخلاف قائلاً : " الدين تسليم بالايمان , و الرأي تسليم بالاختلاف , فمن جعلَ الدين رأياً غرضه للإختلاف , ومن جعل الرأيَ ديناً قدسّه "
و خلاف الطرفين أن اتباع الأول قدسوا رأي فقهائهم في الدين فأصبح الدين ما يراه الوعاظ و الفقهاء وكلامهم .. امتداد لقول الله , وهذا شأنٌ خاطئ و آفةٌ عُظمى تجعل الرأي أحادياً و المجتمع كله يسير على رأي واحد مخالفهُ " كافر "
وفي الناحية الأخرى التيار اليساري , يكفر برأي الأول كفراً بواحاً , لأنهُ لا يقبل التبعية ولا يقبل الوصاية ولا يقبل أن يُفرض عليه أي رأي لا يناسبه ..
بإمكان أي شخص أن يتفقه و يُكَون رأيه الخاص و تصوره عن الدين مادام لم يجعل المُقدس نفسه " الدين " عرضة للإختلاف في المسائل الأساسية و الاختلاف يكمن في الجُزئيات و التأويلات ..
مثلاً : لك أن تُحرم تغطية الوجه مثلاً و لي أن أرفضها .. هذا رأيٌ لا وحي , لن أكفر أن رفضته ولن أُكفرهُ إن أمرتَ به فقط [ اتركني وشأني ودعكَ بشأنك ]
فالاختلاف واضح في المذاهب الأربعه لا خلاف عليه .. ومن يفرض رأيه و يُبَدعُ بقية الآراء و يُسقطها يكون جاهلاً

إن هذا التناحر يقهقهر الوسط في المجتمع , ويفرض عليه التَحزُب رغماً عنه ,حتى أن البعض يسألُ من أول حديث لك معه " أنت مطوع ولا ليبرالي؟ " فإن قُلت أنا وسط .. أسقطك , و إن التحزب بين الشباب يسير على أشده فدوماً يرى الشباب في الوسط .. الصمت و الخنوع و الخوف , فيريد الإثبات وهذا الامر برمته كَونَ جيلاً ممسوخاً , مابين الغلو و الإنحلال , مابين الإنغلاق و التحرر التام ومابين البين مصيره الإنحياز إن لم يتغير الوضع

على تويتر غرد الأستاذ شايع الوقيان تغريدة ثَريه قال فيها " حاول المحافظون تقليد ابائهم فنسوا انفسهم , وحاول المجددون أن يُقلدوا اصدقائهم , فنسوا انفسهم "
و اتفق معه في ذلك تماماً , فمع طفرة مواقع التواصل الإجتماعي , ظهرَ وبتجلي قدر الإتحقان في الشارع السعودي , و تلك المعارك الكلامية لاتنتهي و كثيراً ماتبدأ بسب وشتم و تنتهي بتصيد وتأليب و إسقاط , وهي اشدُ مراراةً و خطراً على المجتمع من الحرب الحقيقية , لنأتي ونفكر مُجدداً , ماللذي يُريدُه رواد الحزبين حقاً
هل هذه المعارك و الحروب الكلامية التي اشبه ماتكون بحرب الضرائر ونميمتهن وكلٌ منهن تُكيل المكائدَ لتلمع نفسها أمام الزوج .. والزوج هنا " المجتمع , الحكومه " وتلعب الحكومة حيزاً أكبر كونها مالكةُ القرار .
هل هي حرب للحفاظ على الدين كما يزعم أهل اليمين , أم معاركٌ للتنمية و البناء كما يزعم اليسار , وهل بالحرب أصلاً تنمية .. مزيدٌ من الحقد و الإنشقاق و الفرقه
و الوسط .. هو الشعب الضحية دوماً ودائماً
إنها معاركٌ هوجاء لإثبات الرأي و الإنتصار الفكري لا أكثر , وكلا الطرفين يقودنا إلى التهلكة بلا محالة , فاليمين الذي يُحاول جاهداً إيهام نفسه بأن خلاصه و رفعته في إستنساخ الماضي و لصقه في الحاضر لهو أشبهُ بالحياة أمواتاً , فيصرخُ أحدهم قائلاً : لقد كان المسلمون في الماضي وكانوا وكانوا , لنكن مثلهم !
لن نكون مثلهم طبعاً لأننا أوقفنا الزمن وشوهنا الماضي بهذا النهج الميت , في الماضي كان المسلمون في دأب لا يتوقف نحو العلم فأبتكروا كل العلوم من رياضيات و فيزياء و كيمياء و فلسفة و منطق و شعر و فن و أدب بشتى صورة و ألوانه , كانوا منفتحين على كُل الأديان و الأقوام , في مدينة قرطبة بالاندلس كان اليهودي جاراً للمسلم و النصراني جاره الآخر , مُتآخين مُتاحبين كُلٌ مُلتزمٌ بدينه وكُل يعمل لرفعة مجتمعه , لم يكن السُني حينها يقاتل الشيعي , ولم يتصيد السلفي للصوفي , مهما كانت طائفتك أو مذهبك أنت مُسلم , و أنتَ أخي !
ان الفرقة تولد الضعف , والانغلاق على الماضي الزائل موت و وهن , و الدين قائمٌ منذ 1400 عام لم يخالهُ زلل و لا خلل , الخوف هنا ليس على الدين  بل على الفكر الهش و التأويل الضعيف الذي أقمت منهجكَ عليه !

و اليسار لن أُزكيه , ففعلته شنيعةٌ أيضاً فهو اضعف من أن يؤسس منهجاً مترابطاً إسلامياً يجمع فيه التدين والعدل و كافة اسس الديمواقراطية , فآثر أن يستنسخ النسق الاوروبي و تنظيره بتعديل طفيف و الأمر بفرضه و العمل به وهو يعلم أن النظرية ليست متكاملة وعند الممارسة ستسقط , إن الجمود و عدم قبول الرأي ضعف و جهل فكيف لليسار أن ينادي بالحُريات و احترام الرأي , وهو يتكالب على أول الإنتقادات و يصف كُل مُخالف بالرجعية و التخلف ..
فلا اليمين مشبعٌ ولا اليسار .. كلاهُما ضرعٌ هزيل
ان النهضة لن تكون بالحروب الكلامية ولن تتأسسَ بالإنحياز والاقصاء فشعبٌ مُفترق لا خير فيه , ولكم في ملوكَ الطوائف عبره ..
و مادام رواد الطرفين في إقتتال دائم .. لن نتفقَ على رأي واحد و لن نقارب من وجهات النظر ابداً
لو استغنى الطرفين عن محاولة الإستئثار بالجمل وما حمل لن تقوم لنا قائمة ولن نكون أمةً فاعلة .. 


حاشية : لن نقبل أن نكون أمةً ميته , ولن نثور من الباطن مادام التناحُر قائماً
فالثورة ستضيع مابين اليمين و الشمال والشرق والغرب الثورة لا تتشرذم ولا تتحزب  ..




المراجع:
القرآن 
مقالات بعض الكتاب السعوديين
تويتر 

الخميس، 24 مايو 2012

اقتباس من نَص مُهمل



- يوم الزفاف :




في الحاره :
كان كل فرد قد حدد موقعه ووظيفته ليوم الزفاف , و تكلفت بالاشراف فقط
أبناء الدلاك و أبناء العسيري تكفلوا بتركيب " اللمبات " في كافة أرجاء الحارة و أبناء باحيص , قاموا بنصب السواتر و " الفرشات " في قسم النساء ,
أبناء العم حسن المؤذن قاموا بتجهيز قسم الرجال كاملاً وبقية شباب الحارة توزعوا بين هذه المجموعات ,
إنكبوا على الترتيب و تنظيف الحارة و نصب السواتر و المعدات منذ الساعة العاشرة صباحاً !
كانت حارتنا يومها كخليةِ النحل كل شخص يقوم بواجبه على أتم وجه 
 و أنا أتواصل معهم هاتفياً فطوال الاسبوع تكفلت  بأغلب المهمات و اليوم سأكتفي بالراحة .
قام أبا فيصل بتصدير المواشي إلى المطبخ الذي إتفقت معه مسبقاً على تجهيز الولائم .
وعدت إلى المنزل ظهراً لأشحن طاقتي بقليلٍ من النوم رغم محاولات بعض شباب الحارة لإرغامي على تناول بعض " الكبتاجون" لكن محاولاتهم باءت بالفشل , وفضلتُ النوم
بعد القيلولة قمت بتناول وجبة خفيفة و الإستعداد لتجهيز العريس بعد صلاة العصر ذهلت حقاً من المجهود الذي قام به شباب الحارة في وقت قياسي !
كانت الحارة  تكتسي حلةً كرنفالية بديعة
بدأتْ رقصة المزمار الشعبية و الكل منتشٍ بخمر الفرح ,
و عبير النباتات العطرية و دهن العود تخالط عبق البن وعرق الكادحين الفواح
ذلك أمرٌ نادر الحصول
فحارتنا منذ بدءِ عصر الحداثة وهي ما تزالُ باخعةً في قاعِ البدائية !
لا تفوح منها إلا رائحة النميمة ,
ولا تهب عليها إلا رياح البغضاء و الحسد!
اجتمعنا لأول مرة على أمر مبهج , رغم أننا لا نجتمع عادةً إلا على العزاء
أبا جاري نقش اسمه على كل أرصفة الحارة و أزقتها المتشعبة و مصابيحها المعطوبة ومنازلها المتهالكة و مقبرتها المغلقة منذ عقدين
لا تسكنها إلا الأشواك حتى ديدان أرضها أفناها الجوع وبدأت تستسقي طلباً للرفات !
هل سَئِمت حارتنا من احتواء جثث أبنائها المتحللة !!
أم أنها تبادل أبنائها النكران , فكما نزحوا عنها سابقاً لأجل العولمة هاهي تتبرأ من جثثهم المتعفنة و أكفانهم الرثة 
 لتٌعلمهم بأن البذخ فانٍ في البرزخ !!
أدرك جيداً , بأن أبا جاري كان مصدر اجتماعنا اليوم وليس لحارتِنا السقيمة مطلبٌ من كل هذه الترهات!
فالماضي هو تلك المخاوف التي نخشى عودتها حتى في الأحلام !!
الماضي هو من يهتك عرض العولمة المشؤومة , فالطهارة لا تُوَلِد إلا البدائية
أصبحنا ثوريين ضد كل شيء حتى الانتماء !
نحن تلك الدمى التي تتحرك بإتقان و جمالية فمُحركنا يتقن عمله فعلاً !!
مازلنا نتفسخ عن أي ماضٍ لنا , حتى أصبحنا نتطبع كل شيء مستورداً
حتى إستبدلنا التاريخ بتواريخ مستوردة فهي أجود !!
  أمثالنا و إقتباساتنا و فلسفتنا و أحلامنا تصبح أكثر مصداقية
لو كانت مستوردة !
لا نصنفُ حتى كشعبٍ ثالث !!
نحن أدنى من ذلك , لدينا موارد هائلة وعقول ماشية
مسيرون نحو الهاوية 
قابعون في قعر الفساد
سحقاً
نلهث نحو التخريب !!
  و نتجه لعصر مابعد السذاجة !!


كانت الحارة تشتعل بالبهجة
 إقتربت عقارب ساعتي من العاشرة
مازال الوقت مبكراً للبدء حتى , وليس الإنتهاء !
**
خضعت حارتنا لعملية تجميلٍ مؤقتة , إكراماً للماضي
فشكراً لأبو جاري
وفيٌ جداً هذا الرجل , لحبيبته و حتى لـحارته ألم أقل من قبل
إنه يستحق وساماً !!
انتابتني حالة من الغياب الذهني
جلست على كرسيٍ مهمل في زاوية الفِناء ,
بعيداً عن الصخب و الضحكات و التهنئات و " زغاريط" النسوة
بعيداً عن ضربات طبول المزمار و أهازيج الشباب التراثية
أرخيت رأسي للخلف و أسدلت أهدابي عن كل ماحولي

"
اكتسى كل ما حولي السواد , وبدأت بالبحث عن قبسٍ مضيء
أدحر به جهابذ الظلمة , أين كل الأشخاص من حولي , لم رحلوا لم أعد أسمع الصخب من حولي !
سكــــون و حِلكه!
لاح لي سناً مضيء , ينسل برقه كلما أقتربت منه حتى أقتربت كثيراً منه , حينها بدأ بالانحسار و الابتعاد شيئاً فشيئاً
ها أنا اركض تجاهه هاهي تلاحقني جهابذ الظلمة محاولةً إغراقيِ في غياهبها
تكاد تُكبل أطرافي !
تكاد تخنق أنفاسي !
تكاد تبعثر أشلائي !
تكاد تبدد أفكاري !
إتسعت رقعة الضوءِ كثيراً حتى تبين لي مصدره ,
إنها هي !!
إنها هِي !!
بكافة ملامحها , طرفاها الناعسان , شفتاها مازالت مضطرمةً بالنيران !
 شعرها الثائر في الأرجاء يُعلن الطغيان !
 قدها الناحل كعود اللبان , بشرتها الطافحةُ نوراً و نقاءً يشعانَ!

كيف لي أن لا أدرك هذه المُسَلمة القدرية, نحن مقترنانٌ منذ الأزل
لا يزال القدر يتعمد عودتنا في كُل مرةٍ  رغم قرارات الإفتراق !
ما أقدمت على تطهير روحي , إلا لأجلها
مازالت تنعجن بذاتي حتى غدونا طينةً واحده , لماذا لا نُجيد الإنسحاب !
لن أدعها تتوصل لتلك العلقة النتنة المتغلغلةُ في أعماق روحي , يجب أن أتطهر من قذارات الماضي
قبل أن تتعمق في روحي و تلامس تِلك المضغةَ النتنة  فتدنس طهرها الإلهي .

لقد أحالت دجى روحي صفحةً بيضاء , صحراء جوارحي ارتوت بعد جفافِها شهداً زلال

" من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه "
ترددينها كثيراً!
أنشدُ محكمةً إلهية تحاكم ذاتي 
 إلهي أنت القاضي العادل
فلا رحمة لي .. أريد أن أحاكم فحسب !
ذلك العدل السماوي بحق! 
 جَعل مصيبتي في نفسي
حمداً لله , أستحق الانغماس في لُجِ الشقاء
بلغنا من العشق ما بلغنا , لا نُطيق بعداً ولا نقوى البقاء!
**
قالت :" لقد سَئِمتُ مما يحاكُ من مؤامراتٍ ضِدنا لنهرب ونترك العالم لهم فأنا أحيا بك "
يااااااه إياكِ وقولها , نحن أقوى فإن الله معنا !
كيف سأكون كفؤاً بعشقك , إن لم أتقي الله فيك !!
كيف لي إستغلال ضعفك , لأشبع غرائزي المقيتة
كيف لنا الإنسحاب و الله معنا
لِمَ نخشاهم , و نحن كائنٌ واحد لا يفصل
كيف يفصِلون الماء إن خالطهُ ماءٌ مثله
دعيهم فنحن نعلم بأن خلاصنا سيأتي يوماً ما
**
سحقاً لعالمٍ لا تقاس فيه الرجولة إلا بمقدار الجيب
سحقاً للحساد لا يتقنون إلا الكره !
لا تقلقي.. إن الله معنا
انظري إلى أبا جاري كيف يبدوا سعيداً صَبِر فظفر
يا إلهي لا طاقة لي بالانتظار!
عَجِل ..عَجِل
**

أفقت حينها !!, وكم كانت لذيذةً كعادتِها
كعادتِنا نفتعل الصدف لنلتقي في منزل العائلة , إما على الدرج أو حين دخولي ببراءةٍ  متصنعة , كأني لا أعلم بتواجدها , وعند التقائنا ندعي الحرج و نقدم على الانسحاب , لم نتحدث يوماً وجها لوجه 
 هل ستحتفظُ بكل النعم التي تَحويها .. إلى ما بعد خلاصنا لنستلذ بأحاديثنا مدى الحياة ؟ 
نحن دوماً ما نتقنُ خطوات اللقاء حتى مع وجود الآخرين 
 لا يشعروا بشيءٍ من عواصف الجنون بعينيك و تأوهاتِ الشوق الصاخبةُ بقلبي!!
  نظراتنا لابد لها الارتواء أسبوعيا على الأحلام واللَمحَات!
أنا لستُ مِمنْ إقترنوا بمظاهر البهرجة البراقة
أو الباحثين عن إشباع اللذات المؤقتة
لَمْ أحاول يَوماً أنْ أكونَ غَنياً أو ذَا سُلطَة
جُل مَا أردته الاقتران بها
 منذ التقاء أعيننا قبل زمنٍ سحيق !
أمنِيةُ مستحيلة , وَلكنْ سأفني عمري في المحاولة
فَالأحلامُ هِيَ مُخَدرٌ لِعقولِنا , وَمُسَكنٌ للأسى
مِثَلُهَا كـالخَمرْ تُواسِينَا
إلا أنهَا طَويِلَةُ المَدىّ
أخشى أن يأتي يوم لا تسكن الأحلام فيه آمالي !

ياااه نغتال ذواتنا بذات الخنجر
" الشوق "


"
ثورة الفرحة التي نضحت من قلبِ أبا جاري و محبوبتة لتُغرقَ كُل من في الحارة بطوفان البهجة ما عَداي
غائبٌ أنا عن كل شيء , فأنا إلى الآن لا أستحق أي بهجة أو سرور
فما زال رِجسي يلازمني ولم أستطع الإغتسال منهُ كلياً حتى الان
قدِم إليّ أحدُ الشباب ليعلمني بأنهم قد قاموا بتجهيز الولائم للضيوف ,
 ولكن أبا جاري ,أصَرّ على عدمِ البدء بأيِ شيء حتى أتواجد بجانبه !
توجهت لأتدارك ماتبقى من هندامي مُريقاً بعض الماء على وجهي الذي إجتاحه السقم 
بالكاد أتمكن من رفع قدمي  أشعر بخِدرٍ يجتاح أطرافي بجيشٍ نَاعسْ !
أذهب لإكمال ما بدأته و يٌقسم عليَّ أبا جاري بأني لن آكل إلا معه , أرغمت نفسي على تناول الطعام و رسمت الإبتسامة على وجهي الذي يجيد التصنع و أظهرت سعادتي " أقسم بأني سعيد لأجله " مع سيلٍ من التهاني و التبريكات و النصائح ,
 و بعد طعام العشاء و المسامرة و إدعاء الإندماج بين المدعويين و التلاعب بعصا المزمار ساعتي مازالت متثاقلةً نحو الثالثة صباحاً , قمنا بـ " زف " أبا جاري في كافة أزقة الحارة يسير ممسكاً بيد أبيه و يدي , و الجميع ساروا من خَلفنا بِالمَوكب المُرتَجل 
 الطبول و الأهازيج إكتستِ السعادة حِلةً و الضِحكةَ مَركِباً
, أمطرت سماءُ حارتنا حينها بالورود و الفل و المحبة المؤقتة !
وحينها تولدتْ في قَلبي رغبةُ الإنتقام.. مِن كُل شَيء , حتى نَفسي !
و حينها دُمجَ أبو جاري و محبوبته في جسدٍ واحد بعد عِشقٍ دامَ ثلاثين خريفاً
و حينها تبرجت حارتنا لحد السفور لتتفاخر على بقية أرجاء جدة
و حينها فقط ارتشفنا أنا و هِيَ سُماً ظَننا أنه تُرياقُ الخَلاص!
***
 

السبت، 19 مايو 2012

رحلة فلسفيه - مداخلات قديمه لي في النادي الأدبي


مداخلتي
في إثنينية نادي أدبي جازان عام 2009
رؤية بحثية مختصرة عن تاريخ الفلسفة القديم و الجديد



فكرة البحث في الفلسفة فكرة جيدة على صعيد الحفل الثقافي الذي اكتفى في أنديتنا الأدبية الشعر و القصة أي الأمسيات الشعرية و القصصية, وكأن الأدب ليس إلا هذين الجنسين و معذرةً على الفصل بين الأجناس, فمجال الأبحاث النقدية , و التاريخية أو القراءات الموسيقية أو .. أو .... الخ
هذه العلوم الإنسانية فالفلسفة تتصدر هذه العلوم وكان يطلق عليها أم العلوم ,
ولم يحصل بينها وبين العلوم الأخرى من فصل إلا مع فلاسفة القرن الثامن عشر و إذا كُنا نرى إلى الفلسفة بوصفها تفكيراً نقدياً إبداعياً مستقراً ,
فهي نشأت في أحضان الحكمة ولذلك سُمي الشخص الذي يتعاطاها " حكيماً " ....
و من تعريفاتها أنها مُحبة الحِكمة , و الحكيم هو الشخص الذي بلغ شأناً عظيماً في العلم و التفكر , ووزن الأمور بميزانٍ دقيق من الحلم و الواقعية ,
بينما ظَلَ لأن مصادرها : الدهشة – الشك – الشعور بالقلق تِجاه الأشياء و البحثُ فيها .
فلا يمكن اختصار الحكمة , ولكن يمكن اختصار الكلام ...
كانت البدايات الأولى أمام الإنسان انه يشعر بشيء من النقص و الخوف " نقصه أمام الإله " و خوفٌ من الكونِ و أنوائه و محاولة صُنع تاريخيته الخاصة بهذه البدايات .
ولكن عندما نُريد أن نُفلسف تفكيرنا و نعينه كما عيِّن بداياته الفلسفية
- التأويلي العظيم " جاد امير " في كتابه بداية الفلسفة ص6 يقول [ إنني لا ابدأ بطاليس ولا يهوميروس ولا ابدأ باللغة الإغريقية في القرن الثاني قبل الميلاد ولكنني ابدأ بدلاً من ذلك بأفلاطونَ و أرسطو وذلك هو المدخل الفلسفي الوحيد لتأويل الفلسفة قبل سقراط ] .
فكان لابد أن تكون الفلسفة مع هذين المُفكرين و يبدأ التفلسفُ لأنهما هضما التراث السابق لهما تقريباً ,
ولكن ما الفلسفة , أيضاً مرةً أُخرى ؟
و كيف استطاعت أن تُكونَ كُلَ هذا الوهج ؟
و هي الدهشةُ ايضاً أمامَ الأشياء كيف استطاعت ان تجمع حولها كل الأنماط المختلفة من الذين تناولوا حرفة الفِكر ؟
هنالك رسمٌ شهير للرسام الإيطالي " روفائيل " يُظهر فيه أفلاطون يشير بالبنان إلى السماءِ , بينما يُشير أرسطو إلى أدنى الأرض
– " جون لويس مدخل إلى الفلسفة ص 34 "
و المغزى واضحٌ من ذلك أي أنَ الاتجاه الأفلاطوني كان عقلياً بحتاً يبتعد عن العيني و الملموس ويقترب من جمال الصور و المثل المجردة ,


بينما ضل أرسطو على صلةٍ بوقائعِ التجربةِ و المحسوس " أي استخدمَ حواسهُ " ,
لقد كان أفلاطون ( ولد 427 ق . م ) من أنجبِ تلاميذ سُقراط ( ولد 470 ق . م ) و هو الذي نقل لنا تُراث و حكم هذا المُحرّض العظيم , الذي حكمت عليه المحكمة بالموت بالسم فتجرع السُم
-    حيث و صفهُ " نيتشه " بالحكيم الذي لا يَكتُب
فأفلاطون يرى الفلسفة ليست حيازة المعرفة , بل الكِفاح من أجل المعرفةِ فقط ...
-    أو كما يطرح " مُطاع صفدي " في كتابه إستراتيجية التسمية ص 33[ إن التجربة الفلسفية لا تعني شيئاً غير الفلسفة ذاتها , فهي خُلاصة المواقف و الحلول التي اتخذتها المذاهب و العقول خلال مئاتٍ من السنين تِجاه أشمل سؤال طرقَه الإنسان
لِماذا يسألُ الإنسان ؟
فالفلسفةُ هي هذا البحث عن اليقين ] .


ولا حاجة إلى القول أن الوجود و الحقيقة مقولتان قديمتان قدم الفلسفةِ ذاتها - أما الذات فهي مقولة حديثة بعد أن أصبحت الذات الجماعية الغربية في مأزق إثر مواجهة نفسها مع تناقضاتها - وبحثها عن هويتها الضائعةُ وتاريخها و حضارتها المؤرشفةِ في شكل تُراثِ المسيحيةِ التي أدخلتها في نفقٍ مُظلمٍ من السحر و الشعوذة على طريقة تأويل كلاً من أشلوطين و القديس الجزائري أوغسطين (354-430) من خلال نزعتها الصوفية المتمثلة في قراءتهما لأفلاطون بطريقة مسيحية دينية , فكانا بمثابة الفلسفة الجديدة المحركة لنظام اجتماعي وسياسي جديد
بعد أن دخلت المسيحية في القرنين الثاني و الثالث بعد الميلاد في مزيدٍ من الفوضى و الأرثوذكسية و عوالم السحر و وجود الأساطير المُحيرة للعقل و الفكر .
قلت إن الذات الجماعية الغربية وجدت هويتها شبه ضائعة وفاقدة لشرط وجودها وتمكنها من الحياة تحت لهيب الكهنوت ,
فكان إن بدأت أوروبا في البحث عن هذه الذات , حينما اكتشفت ارسطوطاليس
" صاحب أول نسق فكري شامل حتى أفلاطون أخرج الشعر والشعراء من أكاديميته "
حوالي 1100 م بدأ اكتشاف أرسطو حوالي في القرن الثاني عشر الميلادي عن طريق الشُراح العرب أي الفلاسفة الإسلاميين أمثال ابن سينا و ابن رشد شارح أرسطو , عندما كانت الثقافة العربية الإسلامية تزن وتُثمن الحكمة و العلوم بالذهب .
أيام دار الحكمة وعصر المأمون يومها انتعشت حركة الترجمة و ظهرت الفلسفة الإسلامية و التي انتهت بالشارح العظيم " أنا أقول بالشارح العظيم فعلاً لأن أوروبا تعطيه اهتماماً كبيراً " شارح أرسطو , الذين كان الأستاذ الجامعي في فرنسا و خاصة بجامعة باريس عام 1347 م كان على هذه الأستاذ أن يقسم ألا يُدرس مذهباً يتناقص مع مذهب أرسطو وبشرط أن يكون شارحه ابن رشد , هذا الأرسطو عن طريق شارحه ابن رشد
–    حتى علق على لك دانتي قائلاً " لم ينقصهما إلا التنصير حتى يكونا من العباقرة " .
فهذا ابن رشد ينير ويثير طريق و عقول أوروبا و المناطق المسيحية التي شقت طريقها عبر المدنية الجديدة إلى النور من بين أنقاض روما ظهرت نظرة جديدة أكثر التصاقاً بالعالم
" ولماذا ابن رشد عندنا لم ينير ولم يثير سؤال يمكن أن يطرح في حلقةٍ أخرى !! "
هذه الفلسفة كانت بقيادة الأرسطي القديس توما الاكويني
و كان الصراع ضد الكنيسة و المحافظين على تعاليمها .
حينها بزغ فجر العلم مع الانقلاب الذي أحدثه كوبر نيكوس (1520م) الذي جعل محور الكون هو الشمس
مركز الكون وليست الأرض حسب اعتقادات بطليموس الذي كان يعتقد و يتصور أن الشمس تدور حول الأرض " وكانت الكنيسة تتبنى هذا التصور البطليمي " .
وكان لزاماً أن تصاحب هذه القفزات العلمية و التطورات أفكاراً ومدارسُ فلسفية .


و كان العقليين بقيادةِ :
1-    ديكارت ( توفي 1650 م ) فرنسي
2-    اسبينوزا ( توفي 1678 م ) هولندا
3-    ليبنتز ( توفي 1716 م ) المانيا
و التجريبيون " طبعاً المنهج التجريبي أكثر ما أزدهر في بريطانيا " :
1-    جون لوك
2-    ديفيد هيوم
و كانت جل الاهتمامات الفلسفية ذات اتجاهات علمية , و رياضيه و فيزيائية , حتى " اسبينوزا " الذي اتجه اتجاهاً مذهبياً فلسفياً و كتب كتاباً مهماً جداً اسمه " رسالةُ اللاهوت و السياسة " حتى استحق طرد اليهود له من هولندا لأنه كان يهودياً , أنتج نظرياته و مذهبه بالطريقة الهندسية الاقليدية " نسبةً إلى اقليديس " .
فمن خلال نسق أرسطو الشامل بدأ البحث منهجياً وعلمياً في الوجود و ما وراءه " أي الميتافيزيقا " أو ما وراء الطبيعة .
•    فكانت مشكلة المطلق عند أفلاطون [ هي فكرة المثال ]
•    و عند ديكارت [ تحول المطلق إلى جوهر ]
•    و مشكلة المطلق عند كانت الذي جاء بعدهم [ هو فكرةُ الشيءِ في ذاته ]-    و على حسب تعبير فؤاد زكريا
[ هنالك تصورات كانت موجودةً من قبل ولكننا ننميها و نعقدها , وهذه التصورات قليلاً ما تتحد بتاريخِ الفلسفة إذ تكون إعادةً لنفسها و لمسائل كانت قد طرَحتْها مراتٍ عديدة , و لهذه أصبح تاريخُ الفلسفةِ موضوعاً من مواضيعها ]
-    أو على حدِ تعبير هيجل " الفلسفة هي دراسة تاريخها ذاته "
-
ولذلك بدأت أفكارٌ جديدةٌ تدورُ حولَ الذات و الوجود و الفكر و العدم و إلى آخر هذه المقولات .
قد بدأ التمرينُ الفلسفي يتكون و يتمفصل متحولاً إلى أنساقٍ فلسفيةٍ كُبرى و بناءاتٍ فكريةٌ عُظمى , طَرحت نفسها كبديلٍ عن العوالم اللاهوتية
فمن الخطأ القاتل " كما يقول فؤاد زكريا " تصور أن المعرفة كخطٍ مستقيم يبدأ من نقطةٍ و ينتهي عند نقطةٍ أخرى تكون غايته .
-    ( آفاق فلسفية ص 296 )
فالتقدم الخطي المستمر الذي يسير إلى آخرٍ لابد لهُ من متقطعات و انتكاسات و هكذا , هذا ما طرحه منظرو الابستمولوجيا المعرفية أمثال : باشلار و كاتقليم و غيرهم أثناء دراستهم النظم الفكرية أو نظرية المعرفة و العلاقة بين العلم و المعرفة و مع قيام الثوره الفرنسية عام ( 1789م ) كانت هنالك ثورةٌ معرفية أيضاً و كان قائدها " امانويل كانت " عندما أصدر كتاباً بعنوان " نقد العقل المحض " سنة ( 1781م ) المتزامن معها أو يسبقها ببضع سنين و يعتبر هذا الكتاب هو الكتاب العمدة في فكر هذا الفيلسوف .
-    ترجم هذا الكتاب إلى العربية مثلما ذكر أ/ إسماعيل مدخلي 
عام ( 1965 م ) على يد أ/ أحمد الشيباني " رحمة الله " , كما صدرت للكتاب ترجمةٌ أحدث عن دار الإيمان على يد أستاذ الفلسفة الحديثة / موسى وهبة .
اقتفى "كانت" طريق أسلافه خاصةً " ديفيد هيوم " مستفيداً من أفكار اسحق نيوتن و كتب رسالته حول الكون ,
و لكن بعد ذلك استعان بنزعته " الترنسنتالية " سعى إلى خلق طريقته النقدية بواسطة " نقد العقل المحض " أي نقد آليات العقل المعرفية من حساسيات و حدوس و غير ذلك ...و برزت النزعة النقدية كما يُطلق على ذلك مؤرخو الفلسفة , فعن طريق نظريته المعرفية المستقلة عن التجربة أسس ما يُسمى " بالمعرفة القِبلية " و أما التي استمدت معرفتها من التجربة فيطلق عليها أسم " معرفة بعدية " .
و من ذلك تظهر عنده إمكانية الزمان و المكان كمفهومين فلسفيين قِبليين , أما ما يدفع إلى قيام التجربة فهي موضوعات خارجة عن الذهن .
و نتج لدية بعد ذلك شيئان :
1-    الأشياء في ذاتها ( النومينا )
أو ما ذكرناه فيما سبق " المطلق لدى كانت "

2-    الأشياء أو الظواهر (الفينومينا )
و التي أصبحت في نهاية القرن التاسع عشر فلسفة مستقلة على يدي " أدموند هوسرل "
المسماة بـ " الظواهريه " أو " الفينو ميثولوجيا "
لقد كان " كانت " ممثلاً لعصر التنوير ( تنوير طبقات الشعب ) وبهذا نستطيع أن نفهم دور الفلسفة بصفتها تفكيراً نقدياً في مجتمعاتنا , فهي فقط تستطيع خدمة مفاهيمنا و تدقيقها وهي وحدها تستطيع العودة إلى تراثنا بالنقد البناء .
وبعد انتهاء فترة " هيجل " ظهرت الفلسفات العدمية و برز جيل الفلسفة المعاصرة
•    نيتشه
•    ماركس – المادية التاريخية
•    فرويد – العودة إلى اللاشعور
و استمرت هذه النزعات المعاصرة تغطي الحقول الفلسفية حتى " جاك دريدا " و " جيل دولوز "



انتهى


فلسفةُ عاشق






-1-


نَظرةٌ محمومةُ و عينان ملأى بالتعب ..!
هي نظرةٌ تسقي الجوارح و تفتق النُدب ,,
جليةٌ كانت كالتقاء السحب ,, و فصيحةٌ كألسنة العرب
تتحاور العينان , تجادل , تتعانق , وتبادل القُبل
في صمتٍ مُغدقٍ فالصمت أزكى للعشق و أقوم للأرق


-2-



كانت كلماتنا الأولى
تهطل كالوردات مع المطر
و تخطو أولى خطواتها مُتعثره
تراقص النسمات على وجه القمر
فَنغرِسُ الحُبَ فِي أرضٍ خصبةٍ
وَ نؤسسُ مملكةَ قلبينا القدسيةً ,
نكونها من أشلائنا
حجراً , حجراً
غيمةً , غيمة
زهرةً , زهرة
بسمةً , بسمة
قلوبنا عاصمةٌ , و أطرافنا باقي المدائن و الطرق
معاً نبايعُ بعضنا ,,
و نتوج بعضنا ,,
فأنا الحاكم , و أنتي إمبراطورةٌ عليها للأبد ..!
معاً نحيي شَعبنا المُتهافتُ ,
من شتَى الأحزابِ
فتأتي فراشاتِ الربيع..
حمراوات ,
زرقاواتٍ ,
و ملونة !!


و النَحل أفواجاً برائحةِ المطَر ,
حاملين الهدايا و أقراصِ العسـل
عصافير مغردةً تحِفُ بعرشنا
و تبادر مزقزةً كلما حييتها بالنظر



عنوانها صفحةً بيضاء على أديمِ السمَاء و تَجمعات الغيم و قطرات المطر
هذه مملكتنا أرضُ السماء
والعشقْ مِلتُنا ,
و الحُب غايتنا ,
و الطيبُ منهجنا ,
و الله ناظِرنا ,


و الشعب يهتف في فرحةٍ ,
تحيا الزعميةُ , يحيا الملك
تتوافد الأقوام لأرضِ حماناَ
شتى الأعراقِ و الأصنافِ يسكنون قُرانا
فراشاتُ الربيع
و أزهار الربيع
و أحلامُ صِبانا


شعبنا , وحياتنا , و هوانا



-3-



سينامُ طرفِي حاضناً عيناكِ
و تغفيّن فيِ قلبيَ للآبد
أغدقُ عليكِ دمي , و عشقي , و مدامي ْ


و تحفظين وِدي , وتؤنسين وحشتي
فأنت جُل مآربي
و أنتي مُنايَ و مطلبيِ
وأنتي أمي و أبي
و أصدقائي و أخوتي
أنتيْ , ما أنتي !؟
  ملاكاً
يحيل ظُلمةَ الليل نهاراً
و وحشةَ السجنْ حقولا
وَ حرقةَ القيدِ رذاذا
يراقُ دَمُ الحاسدينْ بنهجنا ,
و تقتل كُل المُغرضاتِ فدانا


يا ربة الطرف الكحيل , ما نالني
منكِ إلا صبابةٌ و عشقٌ أصابَ كِلانا
يا ربة القد النحيل , ألا أبشري
تلاشى العذاب وزال ما قد كانا
يا حبيبة قلبي , ألا اسعدي
قد حُلت اليومَ مجالسُ العدى
و لن يعود ذاك الذي أشقانا


-4-




أننزح عن عالم السماء هذا !؟
و نخالط البشر و الحيوان و الشرور ؟؟


فلنتزود بما نشاء , بعضاً من المطر وبعض الإبتساماتِ و السعادة
و شيئاً الفواكه و العصافير و الفراشات و النحل
لنشكل فِي أرضِهم نشيد الفرح
و دليلنا السامي نحو السعادة و الفرح
حباً لا تستطيع الأرض الصماء تجسيده , ولا البشر الحاقدين وصفه
ذلك الذي تعلمناه من زقزقات العصافير , ومن دبيب النمل , و قطر الندى
من لون البنفسج , و ريح الخزامى


و أعين الأطفال التي تشع
بالبرائة و الطهر
بشعاع الفجر و نسمات الصبا
فلنشكل لهم سيمفونيات عشقنا الأربع
مُشكلين فصولنا الأربع
وسعدنا الأمتع !!



-5-


بكل الجمال أحببنا الحياة ,
بكل فصولها و أيامها
و شطآنها و غاباتها


فالحب في قلوبنا راسخٌ كالجبال و أشجار السرو وينابيع الأنهار
تكون منذ بداية عهدنا كالبراكين و القارات و الجزر
الحب بدايةٌ لكل شيء ,,,
مازالت الأصوات تخنق الفضاء , تصيح و تنبح و تنفي
قدسية أرضنا و العشق !
تتناثر الاصوات في الهواء , فلا يسمع أحد
إلا أهل السخفِ و الغباء
و إستعباد النساء !!
ينددون بحرقةٍ ,
الحُب جريمة , و الحب رذيلةٌ
الحب بليةٌ , و الحب خطيئةٌ
تباً ,, لايفقهون الحبُ
سحقاً , لا يملكون قلوباً ؟
الحُب ... الذي لولاه ما بقينا بأرضكم
الحب الذي لولاه أصلاً مانزلنا من السماء


حناجرهم , تلوك آثامهم
و تمتلئ قلوبهم بسواد حقدهم


كيف لنا إخماد حرائقهم ..
بالماء , أم بالعطر أم بالعسل !!
فمثلهم تجردوا من كل أصل !!
هل نزيدُ من حرقهم , و نزيد من تعذيبهم بالصمت
و بالفرح و الورد و الخضرة و الشجر ؟؟
و نتوج الحبُ أميراً على عَرشِ قَلبينا ...
حينها حبيبتي سيصمت الجميع ,
ويحترق الجميع ....
ولن يتحدث أحد ؟؟!!




حاتم
12:00مساءاً
1/1/1432هـ