-1-
حشدٌ كبير يجتمع , تبدو عليهم
معالم الترقب و الانتظار , رجلٌ يبدو أنه في بداية الثلاثينات من عمرة ينظر إلى
ساعته و بتململ و خشبة مسرح ستائره مسجاة ..
ينكشف الستار ليكشف عن إيزيس
العظيمة و خلفها ذلك المونولج العظيم , عرش ايزيس السديمي ..
و كرسيٌ يحمل العدم !
ضجت الساحة بنوبة تصفيق و ترحيب
و أصوات مترامية في المحيط المكتظ تطلق عبارات التعظيم و التقديس و الإجلال ..
تجلس ايزيس على كرسي بكل سكينةٍ
و رُقي ..
يتناقل الحضور تلك
المعلومة المتداولة منذ 3 أعوام أن ايزيس الوفية وضعت كرسياً فارغاً
في وسط المونولج إكراماً لإزيوريس الفقيد متأثراً بموسيقاه ..
-2-
مونولجٌ جائر ..
ذلك المسيح صُلب فيه على
كرسي , كحليةٍ في جيدِ " ايزيس " , كرسيٌ فارغ يحمل العدم ,
دهشة و أفواه مشدوهة و صرخات منتشية تتجمهر أمامه , و هو الكرسي "
الصليب " بكل صفاقة , ترجمه الجموعُ بآهاته التي أورثها في زبانيته رع و
سِت ، مازال أوزوريس ينبض ليضخ دماً كالطوفان يخرج من كرسيه عارماً به ثم
يعود إليه جارفاً ليسحق جسده النحيل أكثر فأكثر ..
كيف لإيزيس أن تكون أرحم من ذلك
, كيف لإيزيس أن تبني مجدها المهول بين منكبي أوزوريس النحيل و شاربه العامودي
الرشيق , إن إيزيس ليست حالةً فردية فخلفها ملايين الجثث , إن إيزيس كمولوخ إن صح
الأمر .. هي المهولة , الوجه الأخير للجمال
و من خلفها رفات أوزوريس و ست و
رع و رام و الموسيقي الشاب ...
-3-
الموسيقيٌ الشاب يفر من موسيقاه
يقود سيارته بسرعة جنونية وهاجس الإعدام يلوح في فكره ..
طفلته ابنة " فرح فزا
" ستكون أمام خشبة المحكمة بعد لحظات , سيناريوهات التنفيذ تغتال الموسيقي
ألف مره ، فتارة يلعن الساعة التي تكونت بها أنسجة تلك الطفلة و تارة يلعن ذاته
التي قد تخلق ملامح بشعة لطفلته ، قرر المواجهة و النظر في عينيها لحظة اصدار
الحكم ..
ياااه ما ثقل هذا الصوت
الذي يذكر حيثيات القضية للمستمعين على الراديو و يكرر ديباجة
متحجرة يكررها في كل ليالي "إيزيس المدهشة " طفلة " فرح فزا
"هذه ليست خبراً يذاع عى نشرةً أخبار التاسعه , ليس هنالك من ديباجه
ولا كلمات شرح مبتذله ستصفُ تلك السمراء اللعوب ، لقد تكونت لتوضح ذاتها دون
أن يتفوه أي أحد ، هي تتسربل و تعربد مع كل جرة وتر و آه ، هي جاءت لتبلغ
رسالة سماوية جديدة صارخة بملء الفم " الله محبة ، الخير محبة ، النور محبة
" و كما كان التاريخ جائرا آمن الموسيقي الشاب بتلك النهاية معلقةً على بغضاء
..
فإيزيس ربة الجمال .. كانت أشبه
بمولوخ , تتغذى على أرواح الأطفال فتصيرها جمالاً للكبار الهائمين .
بدأ " المونولوج "
بمراسم المحاكمة الخالدة , هاهم القضاة أمام إيزيس إزاء الألفين يتكئون و
يحاولون التركيز قليلاً بعيداً عن صراخ المقدسين و تصفيقاتهم , بعد ان فرغت
إيزيس من سرد مذكرة الدفاع , صرخ احد القضاة , أو كل القضاة بصوت واحد
" عظمة على عظمة على عظمة " ..
توقف الموسيقي حينها على قارعة
الطريق الصحراوي يحاول جاهدا التقاط أي أكسجين في الهواء ليحشره في
رئتيه ليعوض كل ما قد فرغه من قبل ليملأ به الشجن و اللذة و الزهو و البكاء
ليملأ به كل أعراض السلطنة الخاوية ، ليصرخ بهستيرية :"براءة براءة براءة
" و يمرغ ذاته في الرمال ليعانقها ..
-4-
إن اللحظات المفرطة في وقعها و
المزلزلة للذات تستحق مشاركتها بعناق قدسي تستحق أن نعانق لأجلها أي شيء يقبل
المعانقة "كثبان الرمل، عمود إنارة ، رجل ثلج " لن يشكل هذا الأمر أي
إشكالية , فالعناق يكتسي كل شيء بقدسيته انه صلاة الذرات و الخلايا و
الجزيئات " إنه تلك اللعنة التي نقذفها في هاوية العدم – علها
تتمزق " إن الصراع و مناهضة " اللاشيء" ليس فعلاً بشرياً فقط ولا
حتى فعلاً بيولوجياً إنه أمر يخص كل ما هو كائن وكل ما هو موجود ، يعلمُ الموسيقي
أن كل الموجودات تصلي عناقاً و تحلق مابين أربعة خطوطٍ متوازية أو خمسة و تبكي!
فصلى مع كل شيء حينها و
حلق عالياً ليمزق الخطوط و العدم ثم خر باكياً !
- - إن
المعجزة الحقيقة تكمن في القيام بفعل يستوجب ردة فعل كل ماله كتله في الوجود فقط
ليتساوى مع الفعل الأساسي في مقدار القوة .
و أنا حين أغني ...
حين أغني فقط .. يحصل كل هذا
دون أن يشعر الآخرين بذلك
" سيناريو متخيل بلا
مكانٍ أو زمان لحدث ما قيل أنه حدث عام 1969م و أنا مازلت متيقناً أنه حدث منذ
بداية الأزل و مازال يحدث و سيحدث إلى نهاية المدى "
- hatimovich