الأربعاء، 22 مايو 2013

رحلةُ تيهٍ بين أربعة خطوط





-1-

حشدٌ كبير يجتمع , تبدو عليهم معالم الترقب و الانتظار , رجلٌ يبدو أنه في بداية الثلاثينات من عمرة ينظر إلى ساعته و بتململ و خشبة مسرح ستائره مسجاة ..

ينكشف الستار ليكشف عن إيزيس العظيمة و خلفها ذلك  المونولج العظيم  , عرش ايزيس السديمي ..

و كرسيٌ يحمل العدم !

ضجت الساحة بنوبة تصفيق و ترحيب و أصوات مترامية في المحيط المكتظ تطلق عبارات التعظيم و التقديس و الإجلال ..

تجلس ايزيس على كرسي بكل سكينةٍ و رُقي ..


 يتناقل الحضور تلك المعلومة المتداولة منذ 3 أعوام أن ايزيس الوفية  وضعت كرسياً فارغاً  في وسط المونولج إكراماً لإزيوريس الفقيد متأثراً بموسيقاه ..



-2-
مونولجٌ جائر  ..

 ذلك المسيح صُلب فيه على كرسي , كحليةٍ في جيدِ " ايزيس "  , كرسيٌ فارغ يحمل العدم ,  دهشة و أفواه مشدوهة و صرخات منتشية تتجمهر أمامه , و هو الكرسي " الصليب " بكل صفاقة , ترجمه الجموعُ بآهاته التي أورثها في زبانيته رع و سِت ، مازال أوزوريس  ينبض ليضخ دماً كالطوفان يخرج من كرسيه عارماً به ثم يعود إليه جارفاً ليسحق جسده النحيل أكثر فأكثر  ..

كيف لإيزيس أن تكون أرحم من ذلك , كيف لإيزيس أن تبني مجدها المهول بين منكبي أوزوريس النحيل و شاربه العامودي الرشيق , إن إيزيس ليست حالةً فردية فخلفها ملايين الجثث , إن إيزيس كمولوخ إن صح الأمر .. هي المهولة , الوجه الأخير للجمال

و من خلفها رفات أوزوريس و ست و رع و رام و الموسيقي الشاب ...


-3-


الموسيقيٌ الشاب يفر من موسيقاه يقود سيارته بسرعة جنونية وهاجس الإعدام يلوح في فكره ..

طفلته ابنة " فرح فزا " ستكون أمام خشبة المحكمة بعد لحظات , سيناريوهات التنفيذ تغتال الموسيقي ألف مره ، فتارة يلعن الساعة التي تكونت بها أنسجة تلك الطفلة و تارة يلعن ذاته التي قد تخلق ملامح بشعة لطفلته ، قرر المواجهة و النظر في عينيها لحظة اصدار الحكم ..


 ياااه ما ثقل هذا الصوت الذي يذكر حيثيات القضية للمستمعين  على الراديو  و  يكرر ديباجة متحجرة يكررها في كل ليالي "إيزيس المدهشة " طفلة " فرح فزا "هذه ليست  خبراً يذاع عى نشرةً أخبار التاسعه , ليس هنالك من ديباجه ولا كلمات شرح مبتذله ستصفُ تلك السمراء  اللعوب ، لقد تكونت لتوضح ذاتها دون أن يتفوه أي أحد ، هي تتسربل و تعربد مع كل جرة وتر و آه ، هي جاءت لتبلغ رسالة سماوية جديدة صارخة بملء الفم " الله محبة ، الخير محبة ، النور محبة " و كما كان التاريخ جائرا آمن الموسيقي الشاب بتلك النهاية معلقةً على بغضاء ..


فإيزيس ربة الجمال .. كانت أشبه بمولوخ ,  تتغذى على أرواح الأطفال  فتصيرها جمالاً للكبار الهائمين .


بدأ " المونولوج " بمراسم المحاكمة الخالدة , هاهم القضاة  أمام إيزيس إزاء الألفين يتكئون و يحاولون التركيز قليلاً بعيداً عن صراخ المقدسين و تصفيقاتهم  , بعد ان فرغت إيزيس من سرد مذكرة الدفاع , صرخ احد القضاة  , أو كل القضاة بصوت واحد " عظمة على عظمة على عظمة  " ..


توقف الموسيقي حينها على قارعة  الطريق الصحراوي  يحاول جاهدا التقاط أي أكسجين في الهواء ليحشره في رئتيه ليعوض كل ما قد فرغه من قبل ليملأ به  الشجن و اللذة و الزهو و البكاء ليملأ به كل أعراض السلطنة الخاوية ، ليصرخ بهستيرية :"براءة براءة براءة " و يمرغ ذاته في الرمال ليعانقها ..


-4-
إن اللحظات المفرطة في وقعها و المزلزلة للذات تستحق مشاركتها بعناق قدسي تستحق أن نعانق لأجلها أي شيء يقبل المعانقة "كثبان الرمل، عمود إنارة ، رجل ثلج " لن يشكل هذا الأمر أي  إشكالية , فالعناق يكتسي كل شيء بقدسيته انه صلاة الذرات  و الخلايا و الجزيئات "  إنه تلك اللعنة  التي نقذفها في هاوية العدم – علها تتمزق " إن الصراع و مناهضة " اللاشيء" ليس فعلاً بشرياً فقط ولا حتى فعلاً بيولوجياً إنه أمر يخص كل ما هو كائن وكل ما هو موجود ، يعلمُ الموسيقي أن كل الموجودات تصلي عناقاً و تحلق مابين أربعة خطوطٍ متوازية أو خمسة و تبكي!

 فصلى مع كل شيء حينها و حلق عالياً ليمزق الخطوط و العدم ثم خر باكياً !



-    - إن المعجزة الحقيقة تكمن في القيام بفعل يستوجب ردة فعل كل ماله كتله في الوجود فقط ليتساوى مع الفعل الأساسي في مقدار القوة .



و أنا حين أغني ...

حين أغني فقط .. يحصل كل هذا دون أن يشعر الآخرين بذلك




" سيناريو متخيل بلا مكانٍ أو زمان لحدث ما قيل أنه حدث عام 1969م و أنا مازلت متيقناً أنه حدث منذ بداية الأزل و مازال يحدث و سيحدث إلى نهاية المدى " 

- hatimovich