السبت، 19 مايو 2012

رحلة فلسفيه - مداخلات قديمه لي في النادي الأدبي


مداخلتي
في إثنينية نادي أدبي جازان عام 2009
رؤية بحثية مختصرة عن تاريخ الفلسفة القديم و الجديد



فكرة البحث في الفلسفة فكرة جيدة على صعيد الحفل الثقافي الذي اكتفى في أنديتنا الأدبية الشعر و القصة أي الأمسيات الشعرية و القصصية, وكأن الأدب ليس إلا هذين الجنسين و معذرةً على الفصل بين الأجناس, فمجال الأبحاث النقدية , و التاريخية أو القراءات الموسيقية أو .. أو .... الخ
هذه العلوم الإنسانية فالفلسفة تتصدر هذه العلوم وكان يطلق عليها أم العلوم ,
ولم يحصل بينها وبين العلوم الأخرى من فصل إلا مع فلاسفة القرن الثامن عشر و إذا كُنا نرى إلى الفلسفة بوصفها تفكيراً نقدياً إبداعياً مستقراً ,
فهي نشأت في أحضان الحكمة ولذلك سُمي الشخص الذي يتعاطاها " حكيماً " ....
و من تعريفاتها أنها مُحبة الحِكمة , و الحكيم هو الشخص الذي بلغ شأناً عظيماً في العلم و التفكر , ووزن الأمور بميزانٍ دقيق من الحلم و الواقعية ,
بينما ظَلَ لأن مصادرها : الدهشة – الشك – الشعور بالقلق تِجاه الأشياء و البحثُ فيها .
فلا يمكن اختصار الحكمة , ولكن يمكن اختصار الكلام ...
كانت البدايات الأولى أمام الإنسان انه يشعر بشيء من النقص و الخوف " نقصه أمام الإله " و خوفٌ من الكونِ و أنوائه و محاولة صُنع تاريخيته الخاصة بهذه البدايات .
ولكن عندما نُريد أن نُفلسف تفكيرنا و نعينه كما عيِّن بداياته الفلسفية
- التأويلي العظيم " جاد امير " في كتابه بداية الفلسفة ص6 يقول [ إنني لا ابدأ بطاليس ولا يهوميروس ولا ابدأ باللغة الإغريقية في القرن الثاني قبل الميلاد ولكنني ابدأ بدلاً من ذلك بأفلاطونَ و أرسطو وذلك هو المدخل الفلسفي الوحيد لتأويل الفلسفة قبل سقراط ] .
فكان لابد أن تكون الفلسفة مع هذين المُفكرين و يبدأ التفلسفُ لأنهما هضما التراث السابق لهما تقريباً ,
ولكن ما الفلسفة , أيضاً مرةً أُخرى ؟
و كيف استطاعت أن تُكونَ كُلَ هذا الوهج ؟
و هي الدهشةُ ايضاً أمامَ الأشياء كيف استطاعت ان تجمع حولها كل الأنماط المختلفة من الذين تناولوا حرفة الفِكر ؟
هنالك رسمٌ شهير للرسام الإيطالي " روفائيل " يُظهر فيه أفلاطون يشير بالبنان إلى السماءِ , بينما يُشير أرسطو إلى أدنى الأرض
– " جون لويس مدخل إلى الفلسفة ص 34 "
و المغزى واضحٌ من ذلك أي أنَ الاتجاه الأفلاطوني كان عقلياً بحتاً يبتعد عن العيني و الملموس ويقترب من جمال الصور و المثل المجردة ,


بينما ضل أرسطو على صلةٍ بوقائعِ التجربةِ و المحسوس " أي استخدمَ حواسهُ " ,
لقد كان أفلاطون ( ولد 427 ق . م ) من أنجبِ تلاميذ سُقراط ( ولد 470 ق . م ) و هو الذي نقل لنا تُراث و حكم هذا المُحرّض العظيم , الذي حكمت عليه المحكمة بالموت بالسم فتجرع السُم
-    حيث و صفهُ " نيتشه " بالحكيم الذي لا يَكتُب
فأفلاطون يرى الفلسفة ليست حيازة المعرفة , بل الكِفاح من أجل المعرفةِ فقط ...
-    أو كما يطرح " مُطاع صفدي " في كتابه إستراتيجية التسمية ص 33[ إن التجربة الفلسفية لا تعني شيئاً غير الفلسفة ذاتها , فهي خُلاصة المواقف و الحلول التي اتخذتها المذاهب و العقول خلال مئاتٍ من السنين تِجاه أشمل سؤال طرقَه الإنسان
لِماذا يسألُ الإنسان ؟
فالفلسفةُ هي هذا البحث عن اليقين ] .


ولا حاجة إلى القول أن الوجود و الحقيقة مقولتان قديمتان قدم الفلسفةِ ذاتها - أما الذات فهي مقولة حديثة بعد أن أصبحت الذات الجماعية الغربية في مأزق إثر مواجهة نفسها مع تناقضاتها - وبحثها عن هويتها الضائعةُ وتاريخها و حضارتها المؤرشفةِ في شكل تُراثِ المسيحيةِ التي أدخلتها في نفقٍ مُظلمٍ من السحر و الشعوذة على طريقة تأويل كلاً من أشلوطين و القديس الجزائري أوغسطين (354-430) من خلال نزعتها الصوفية المتمثلة في قراءتهما لأفلاطون بطريقة مسيحية دينية , فكانا بمثابة الفلسفة الجديدة المحركة لنظام اجتماعي وسياسي جديد
بعد أن دخلت المسيحية في القرنين الثاني و الثالث بعد الميلاد في مزيدٍ من الفوضى و الأرثوذكسية و عوالم السحر و وجود الأساطير المُحيرة للعقل و الفكر .
قلت إن الذات الجماعية الغربية وجدت هويتها شبه ضائعة وفاقدة لشرط وجودها وتمكنها من الحياة تحت لهيب الكهنوت ,
فكان إن بدأت أوروبا في البحث عن هذه الذات , حينما اكتشفت ارسطوطاليس
" صاحب أول نسق فكري شامل حتى أفلاطون أخرج الشعر والشعراء من أكاديميته "
حوالي 1100 م بدأ اكتشاف أرسطو حوالي في القرن الثاني عشر الميلادي عن طريق الشُراح العرب أي الفلاسفة الإسلاميين أمثال ابن سينا و ابن رشد شارح أرسطو , عندما كانت الثقافة العربية الإسلامية تزن وتُثمن الحكمة و العلوم بالذهب .
أيام دار الحكمة وعصر المأمون يومها انتعشت حركة الترجمة و ظهرت الفلسفة الإسلامية و التي انتهت بالشارح العظيم " أنا أقول بالشارح العظيم فعلاً لأن أوروبا تعطيه اهتماماً كبيراً " شارح أرسطو , الذين كان الأستاذ الجامعي في فرنسا و خاصة بجامعة باريس عام 1347 م كان على هذه الأستاذ أن يقسم ألا يُدرس مذهباً يتناقص مع مذهب أرسطو وبشرط أن يكون شارحه ابن رشد , هذا الأرسطو عن طريق شارحه ابن رشد
–    حتى علق على لك دانتي قائلاً " لم ينقصهما إلا التنصير حتى يكونا من العباقرة " .
فهذا ابن رشد ينير ويثير طريق و عقول أوروبا و المناطق المسيحية التي شقت طريقها عبر المدنية الجديدة إلى النور من بين أنقاض روما ظهرت نظرة جديدة أكثر التصاقاً بالعالم
" ولماذا ابن رشد عندنا لم ينير ولم يثير سؤال يمكن أن يطرح في حلقةٍ أخرى !! "
هذه الفلسفة كانت بقيادة الأرسطي القديس توما الاكويني
و كان الصراع ضد الكنيسة و المحافظين على تعاليمها .
حينها بزغ فجر العلم مع الانقلاب الذي أحدثه كوبر نيكوس (1520م) الذي جعل محور الكون هو الشمس
مركز الكون وليست الأرض حسب اعتقادات بطليموس الذي كان يعتقد و يتصور أن الشمس تدور حول الأرض " وكانت الكنيسة تتبنى هذا التصور البطليمي " .
وكان لزاماً أن تصاحب هذه القفزات العلمية و التطورات أفكاراً ومدارسُ فلسفية .


و كان العقليين بقيادةِ :
1-    ديكارت ( توفي 1650 م ) فرنسي
2-    اسبينوزا ( توفي 1678 م ) هولندا
3-    ليبنتز ( توفي 1716 م ) المانيا
و التجريبيون " طبعاً المنهج التجريبي أكثر ما أزدهر في بريطانيا " :
1-    جون لوك
2-    ديفيد هيوم
و كانت جل الاهتمامات الفلسفية ذات اتجاهات علمية , و رياضيه و فيزيائية , حتى " اسبينوزا " الذي اتجه اتجاهاً مذهبياً فلسفياً و كتب كتاباً مهماً جداً اسمه " رسالةُ اللاهوت و السياسة " حتى استحق طرد اليهود له من هولندا لأنه كان يهودياً , أنتج نظرياته و مذهبه بالطريقة الهندسية الاقليدية " نسبةً إلى اقليديس " .
فمن خلال نسق أرسطو الشامل بدأ البحث منهجياً وعلمياً في الوجود و ما وراءه " أي الميتافيزيقا " أو ما وراء الطبيعة .
•    فكانت مشكلة المطلق عند أفلاطون [ هي فكرة المثال ]
•    و عند ديكارت [ تحول المطلق إلى جوهر ]
•    و مشكلة المطلق عند كانت الذي جاء بعدهم [ هو فكرةُ الشيءِ في ذاته ]-    و على حسب تعبير فؤاد زكريا
[ هنالك تصورات كانت موجودةً من قبل ولكننا ننميها و نعقدها , وهذه التصورات قليلاً ما تتحد بتاريخِ الفلسفة إذ تكون إعادةً لنفسها و لمسائل كانت قد طرَحتْها مراتٍ عديدة , و لهذه أصبح تاريخُ الفلسفةِ موضوعاً من مواضيعها ]
-    أو على حدِ تعبير هيجل " الفلسفة هي دراسة تاريخها ذاته "
-
ولذلك بدأت أفكارٌ جديدةٌ تدورُ حولَ الذات و الوجود و الفكر و العدم و إلى آخر هذه المقولات .
قد بدأ التمرينُ الفلسفي يتكون و يتمفصل متحولاً إلى أنساقٍ فلسفيةٍ كُبرى و بناءاتٍ فكريةٌ عُظمى , طَرحت نفسها كبديلٍ عن العوالم اللاهوتية
فمن الخطأ القاتل " كما يقول فؤاد زكريا " تصور أن المعرفة كخطٍ مستقيم يبدأ من نقطةٍ و ينتهي عند نقطةٍ أخرى تكون غايته .
-    ( آفاق فلسفية ص 296 )
فالتقدم الخطي المستمر الذي يسير إلى آخرٍ لابد لهُ من متقطعات و انتكاسات و هكذا , هذا ما طرحه منظرو الابستمولوجيا المعرفية أمثال : باشلار و كاتقليم و غيرهم أثناء دراستهم النظم الفكرية أو نظرية المعرفة و العلاقة بين العلم و المعرفة و مع قيام الثوره الفرنسية عام ( 1789م ) كانت هنالك ثورةٌ معرفية أيضاً و كان قائدها " امانويل كانت " عندما أصدر كتاباً بعنوان " نقد العقل المحض " سنة ( 1781م ) المتزامن معها أو يسبقها ببضع سنين و يعتبر هذا الكتاب هو الكتاب العمدة في فكر هذا الفيلسوف .
-    ترجم هذا الكتاب إلى العربية مثلما ذكر أ/ إسماعيل مدخلي 
عام ( 1965 م ) على يد أ/ أحمد الشيباني " رحمة الله " , كما صدرت للكتاب ترجمةٌ أحدث عن دار الإيمان على يد أستاذ الفلسفة الحديثة / موسى وهبة .
اقتفى "كانت" طريق أسلافه خاصةً " ديفيد هيوم " مستفيداً من أفكار اسحق نيوتن و كتب رسالته حول الكون ,
و لكن بعد ذلك استعان بنزعته " الترنسنتالية " سعى إلى خلق طريقته النقدية بواسطة " نقد العقل المحض " أي نقد آليات العقل المعرفية من حساسيات و حدوس و غير ذلك ...و برزت النزعة النقدية كما يُطلق على ذلك مؤرخو الفلسفة , فعن طريق نظريته المعرفية المستقلة عن التجربة أسس ما يُسمى " بالمعرفة القِبلية " و أما التي استمدت معرفتها من التجربة فيطلق عليها أسم " معرفة بعدية " .
و من ذلك تظهر عنده إمكانية الزمان و المكان كمفهومين فلسفيين قِبليين , أما ما يدفع إلى قيام التجربة فهي موضوعات خارجة عن الذهن .
و نتج لدية بعد ذلك شيئان :
1-    الأشياء في ذاتها ( النومينا )
أو ما ذكرناه فيما سبق " المطلق لدى كانت "

2-    الأشياء أو الظواهر (الفينومينا )
و التي أصبحت في نهاية القرن التاسع عشر فلسفة مستقلة على يدي " أدموند هوسرل "
المسماة بـ " الظواهريه " أو " الفينو ميثولوجيا "
لقد كان " كانت " ممثلاً لعصر التنوير ( تنوير طبقات الشعب ) وبهذا نستطيع أن نفهم دور الفلسفة بصفتها تفكيراً نقدياً في مجتمعاتنا , فهي فقط تستطيع خدمة مفاهيمنا و تدقيقها وهي وحدها تستطيع العودة إلى تراثنا بالنقد البناء .
وبعد انتهاء فترة " هيجل " ظهرت الفلسفات العدمية و برز جيل الفلسفة المعاصرة
•    نيتشه
•    ماركس – المادية التاريخية
•    فرويد – العودة إلى اللاشعور
و استمرت هذه النزعات المعاصرة تغطي الحقول الفلسفية حتى " جاك دريدا " و " جيل دولوز "



انتهى


هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف1:03 ص

    جميل ان يُطرح موضوع كبير مثل هذا الموضوع في نادي أدبي دون أن يعترض علىة أحد والأجمل هو حجم التفاؤل الذي تملكني بعد أن قرأت مقالك المتتبع لتاريخ البحث عن الفلسفة والحكمة لأنني بقدر تتبعي لأذروحات أنديتنا الأدبية ..

    الفلسفة وتاريخها موضوع جداً معقد ويستعصي علينا فك شفراتها طالما أن العظماء ونتاجهم دائماً منبوذين تخيل لو أن اسبينوزا او سقراط او ابن رشد لم يحاربوا ولم يطردوا ماذا ستكون مكاسبنا الفلسفية ؟؟ لكن للأسف في كل عصر هم دائماً منبوذون ..

    الفلسفة لانهاية لها ستتجدد مع كل عصر ولن تقف عند نقطة او حد هي اتصال لما بدأه القدماء مروراً بفلاسفة عصر التنوير ولن تقف بل استمرارها سيكون باقياً مابقيت البشرية ..

    لمى الراجي

    ردحذف
  2. غير معرف8:57 ص

    تدوينة رائعة وفلسفة داخل الفلسفة ، وبرغم قلة قراءتي بموضوعها إلا أني إستمتعت كثيرا ..

    ردحذف