الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

مهزلة التاريخ

هل بالإمكان أن يكون كل شيءٍ تافهاً ..
أن تكون كل الأفعال مجرد أفعال و إن كانت إسطوريةً بالنسبة لنا أو عظيمة , أن يكون كل شيء هو مجرد تكرار لشيء ما في الماضي و هذا الشيء الذي في الماضي هو مجرد تكرار لأمر ما في ماضٍ سحيق و أن تكون الحياة وتيرةً واحدةً تتكرر ..
قصةً واحدةً تتكرر بسيناريوهات عدة و أحداث مختلفة و شخصيات و مجتمعات مختلفة تتشارك جميعها نفس الفكرة , نفس التراجيديا , و نفس طور الأسطورة المخلده ..

هل يتكرر التاريخ في دوامة من الأحداث ؟
هل نحن أسرى دوامة تاريخية تتكرر و إن ظننا أننا قد كسرنا تلك الدوامة و أتجهنا شرقاً أو غرباً في الأخير سندرك أننا نظن فحسب .. و مازلنا نطحن في رحاها ؟
العود الأبدي يشعرني بالأرق .. نيتشه طرح تساؤله على مضضٍ ثم مضى و خلفه الإستفهامات و علامات النكران !
كيف لي أن أقاوم ؟
تغمرني الدوامة بكل واقعية , لا تترك لي فرصةً للمقاومة أو الممانعة و إن ظننت أنني أقاوم في الأخير سأهزم , ستهزمني الفكرة ذاتها وستنقلب علي , سيغدو سيفي البتار صوتاً يجلد الأمل و الحقيقة ..
هي الحقيقة كل ما نجهله و مع ذلك نؤمن به , نؤمن بأن الحقيقة جلّيةً واضحةً أمام أعيننا رغم أننا لا نبصر إلا الظلام و التاريخ أخيراً سينتصر ..

من ذا الذي سينتصر على التاريخ , على الدوامة , على ماهيته ؟ أليس ضرباً من جنون ؟
أفكارنا هي حبالُ مشانق و نحن ضحاياها , هذا كل ما أدركته و هذا كل ما أجهله
التاريخ هو القاضي و منفذ حكم الإعدام , لن نستطع الإفلات رغم المحاولات , ولن ننتصر رغم الأُمنيات ..
المضحك في الأمر .. أننا سنموت قبل أن نشنق .. سنموت دون أن نعرف !

فلنبصر التاريخ لنرى بوضوح فالمستقبل تكرار الماضي و الماضي ليس إلا مرآةُ المستقبل


و نحن إن وقفنا في المنصف سندرك هول المهزلة و مقدار سخافتنا .. 

الأربعاء، 22 مايو 2013

رحلةُ تيهٍ بين أربعة خطوط





-1-

حشدٌ كبير يجتمع , تبدو عليهم معالم الترقب و الانتظار , رجلٌ يبدو أنه في بداية الثلاثينات من عمرة ينظر إلى ساعته و بتململ و خشبة مسرح ستائره مسجاة ..

ينكشف الستار ليكشف عن إيزيس العظيمة و خلفها ذلك  المونولج العظيم  , عرش ايزيس السديمي ..

و كرسيٌ يحمل العدم !

ضجت الساحة بنوبة تصفيق و ترحيب و أصوات مترامية في المحيط المكتظ تطلق عبارات التعظيم و التقديس و الإجلال ..

تجلس ايزيس على كرسي بكل سكينةٍ و رُقي ..


 يتناقل الحضور تلك المعلومة المتداولة منذ 3 أعوام أن ايزيس الوفية  وضعت كرسياً فارغاً  في وسط المونولج إكراماً لإزيوريس الفقيد متأثراً بموسيقاه ..



-2-
مونولجٌ جائر  ..

 ذلك المسيح صُلب فيه على كرسي , كحليةٍ في جيدِ " ايزيس "  , كرسيٌ فارغ يحمل العدم ,  دهشة و أفواه مشدوهة و صرخات منتشية تتجمهر أمامه , و هو الكرسي " الصليب " بكل صفاقة , ترجمه الجموعُ بآهاته التي أورثها في زبانيته رع و سِت ، مازال أوزوريس  ينبض ليضخ دماً كالطوفان يخرج من كرسيه عارماً به ثم يعود إليه جارفاً ليسحق جسده النحيل أكثر فأكثر  ..

كيف لإيزيس أن تكون أرحم من ذلك , كيف لإيزيس أن تبني مجدها المهول بين منكبي أوزوريس النحيل و شاربه العامودي الرشيق , إن إيزيس ليست حالةً فردية فخلفها ملايين الجثث , إن إيزيس كمولوخ إن صح الأمر .. هي المهولة , الوجه الأخير للجمال

و من خلفها رفات أوزوريس و ست و رع و رام و الموسيقي الشاب ...


-3-


الموسيقيٌ الشاب يفر من موسيقاه يقود سيارته بسرعة جنونية وهاجس الإعدام يلوح في فكره ..

طفلته ابنة " فرح فزا " ستكون أمام خشبة المحكمة بعد لحظات , سيناريوهات التنفيذ تغتال الموسيقي ألف مره ، فتارة يلعن الساعة التي تكونت بها أنسجة تلك الطفلة و تارة يلعن ذاته التي قد تخلق ملامح بشعة لطفلته ، قرر المواجهة و النظر في عينيها لحظة اصدار الحكم ..


 ياااه ما ثقل هذا الصوت الذي يذكر حيثيات القضية للمستمعين  على الراديو  و  يكرر ديباجة متحجرة يكررها في كل ليالي "إيزيس المدهشة " طفلة " فرح فزا "هذه ليست  خبراً يذاع عى نشرةً أخبار التاسعه , ليس هنالك من ديباجه ولا كلمات شرح مبتذله ستصفُ تلك السمراء  اللعوب ، لقد تكونت لتوضح ذاتها دون أن يتفوه أي أحد ، هي تتسربل و تعربد مع كل جرة وتر و آه ، هي جاءت لتبلغ رسالة سماوية جديدة صارخة بملء الفم " الله محبة ، الخير محبة ، النور محبة " و كما كان التاريخ جائرا آمن الموسيقي الشاب بتلك النهاية معلقةً على بغضاء ..


فإيزيس ربة الجمال .. كانت أشبه بمولوخ ,  تتغذى على أرواح الأطفال  فتصيرها جمالاً للكبار الهائمين .


بدأ " المونولوج " بمراسم المحاكمة الخالدة , هاهم القضاة  أمام إيزيس إزاء الألفين يتكئون و يحاولون التركيز قليلاً بعيداً عن صراخ المقدسين و تصفيقاتهم  , بعد ان فرغت إيزيس من سرد مذكرة الدفاع , صرخ احد القضاة  , أو كل القضاة بصوت واحد " عظمة على عظمة على عظمة  " ..


توقف الموسيقي حينها على قارعة  الطريق الصحراوي  يحاول جاهدا التقاط أي أكسجين في الهواء ليحشره في رئتيه ليعوض كل ما قد فرغه من قبل ليملأ به  الشجن و اللذة و الزهو و البكاء ليملأ به كل أعراض السلطنة الخاوية ، ليصرخ بهستيرية :"براءة براءة براءة " و يمرغ ذاته في الرمال ليعانقها ..


-4-
إن اللحظات المفرطة في وقعها و المزلزلة للذات تستحق مشاركتها بعناق قدسي تستحق أن نعانق لأجلها أي شيء يقبل المعانقة "كثبان الرمل، عمود إنارة ، رجل ثلج " لن يشكل هذا الأمر أي  إشكالية , فالعناق يكتسي كل شيء بقدسيته انه صلاة الذرات  و الخلايا و الجزيئات "  إنه تلك اللعنة  التي نقذفها في هاوية العدم – علها تتمزق " إن الصراع و مناهضة " اللاشيء" ليس فعلاً بشرياً فقط ولا حتى فعلاً بيولوجياً إنه أمر يخص كل ما هو كائن وكل ما هو موجود ، يعلمُ الموسيقي أن كل الموجودات تصلي عناقاً و تحلق مابين أربعة خطوطٍ متوازية أو خمسة و تبكي!

 فصلى مع كل شيء حينها و حلق عالياً ليمزق الخطوط و العدم ثم خر باكياً !



-    - إن المعجزة الحقيقة تكمن في القيام بفعل يستوجب ردة فعل كل ماله كتله في الوجود فقط ليتساوى مع الفعل الأساسي في مقدار القوة .



و أنا حين أغني ...

حين أغني فقط .. يحصل كل هذا دون أن يشعر الآخرين بذلك




" سيناريو متخيل بلا مكانٍ أو زمان لحدث ما قيل أنه حدث عام 1969م و أنا مازلت متيقناً أنه حدث منذ بداية الأزل و مازال يحدث و سيحدث إلى نهاية المدى " 

- hatimovich 





الأربعاء، 3 أبريل 2013

بوهيميٌ يعوي بوجهِ مولوخ الإسمنت


بوهيميٌ يعوي بوجهِ مولوخ الإسمنت
ومضات عابرة : حول سيرة آلن غينسبيرغ

بقلم : حاتم الشعبي
نشرت لأول مرة في مدونة : hatimovich  بتاريخ 27/08/2013


*قصيدة عواء





أيّ أبي هولٍ من الإسمنت والألمنيوم شظّى جماجمهَم وافترس أدمغتهم ومخيّلاتهم؟
مولوخ*1 ؛ عزلةٌ! قذارةٌ! بشاعةٌ! براميلُ قمامة ودولاراتٌ بعيدةُ المنال!
أطفالٌ يزعقون تحت السلالم!
صبية ينشجون في الجيوش , شيوخٌ ينتحبون في المنتزهات!
مولوخ! مولوخ! كابوس مولوخ!
مولوخ سيّد البغضاء!
مولوخ الفكري!
مولوخ قاضي البشر الصارم!
مولوخ السجن العصيّ على الخيال!
مولوخ الحبس الشاقّ بعلامة الموت ذي العظمتين المتقاطعتين وكونغرس المآسي!
مولوخ الذي مبانيه يوم الدينونة!
مولوخ الحجر الضخم للحرب!
مولوخ الحكومات المصعوقة!
مولوخ الذي عقله آلية خالصة!
مولوخ الذي دمُهُ مالٌ جارٍ!
مولوخ الذي أصابعه عشرة جيوش!
مولوخ الذي صدره دينامو آكلٌ لحومِ البشر!
مولوخ الذي أذنُهُ قبرٌ يعلوه الدخان!
مولوخ الذي عيونه ألف نافذة عمياء!
مولوخ الذي ناطحات سحابه تنتصبُ في الشوارع المديدة كعدد لانهائي من يهوه! مولوخ الذي مصانعه تحلم وتنعق في الضباب!
مولوخ الذي مداخنه وهوائياته تتوّج المدن!
مولوخ الذي ولعه نفط وحجر بلا نهاية!
مولوخ الذي روحه كهرباء ومصارف!
مولوخ الذي فقره شبح العبقرية!
مولوخ الذي قدره سحابة من الهيدروجين لا جنس لها!
مولوخ الذي اسمه العقل!
مولوخ الذي فيه أقبع وحيداً!
مولوخ الذي فيه أحلم بملائكة
مصروع في مولوخ!
مصّاص الذكور في مولوخ!
محروم الحبّ ومخنّث في مولوخ
مولوخ الذي باكراً اقتحم روحي!
مولوخ الذي أنا فيه وعي بلا جسد!
مولوخ الذي أرعبني وصدّني عن نشوتي الطبيعية!
مولوخ الذي أهجره! أصحو في مولوخ!
نور يشعّ من السماء
مولوخ.. مولوخ.. شقق رّبوطات.. ضواحي لامرئية.. كنوز هياكل عظمية
رساميل عمياء..صناعات شيطانية..أمم وهمية.. مستشفيات مجانين محصّنة!
 أعضاء ذكوريّة من الغرانيت! قنابل مَهُولة!
قصموا ظهورهم رافعين مولوخ إلى السماء!
 أرصفة، أشجار، راديوات، أطنان!
 رافعين المدينة إلى السماء التي تدوام على وجودها وتحيطنا من كل حدب وصوب
رؤى..تكّهنات..هلوسات..معجزات..نشوات..غاصتْ في النهر الأميركي
أحلام..عبادات.. إشراقات..ديانات..حمولة المركب كلها من القذارات الحسّاسة
اختراقات! على طول النهر.. تشقلبات وحوادث صَلْب..غرقتْ في الطوفان
سَكَراتٌ! أعيادُ غطاس! حالاتُ يأسٍ!
 صرخاتٌ حيوانية وإنتحارات لعشر من السنوات!
 عقولٌ! غراميات جديدة..جيلٌ مجنون.. إنهواءً على صخور الزمن!
قهقهة مقدّسة حقيقية في النهر.. رأوها برمّتها!
العيون الوحشية..الصيحات المباركة.. قالوا الوداع. وثبوا من السقف..
إلى العزلة ملوحين!
حاملين زهوراً! هابطين إلى النهر! فالشارع*


------------------------------------------------------------------

كإنموذج للقصيدةِ الأيقونة , تلك القصيدة التي إمتدت من نهاية الأربعينات وحتى الثمانينات من القرن الفائت تقريباً ,  لجيل كان المؤسس لأوجه ثقافة إجتماعية جديدة في الولايات المتحدة و العالم و سُميَ بـ جيل الرفض
generation beat
و الذي نستطيع تصنيف الشاعر البوذي النزعة allen ginsberg  ألن غينسبرغ بأنه أحد أشهر روادها ..
في قراءة لحياته قد نكون قادرين على فتح نافذة على الشارع الذي مرّت من خلاله تلك الثقافة الجديدة . تلك التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية . ومرت بالشارع الأمريكي كلّه لتتفرّع لنواحي شتّى و طرائق شتّى  .




ألن غينسيبرغ . هو شاعر أمريكي , كان قد اختصر التقديم عنه تقدّم المدّعي العام الأمريكي للقضاء مترافعاً ضد قصيدته الشهيرة ( عواء-Howl) وكان القاضي ينظر في القضية التي سحب بسببها الديوان من الأسواق . ولديه ما يكفي أن يقول في نهاية هذه المرافعة القضائية : لكي نكون ديمقراطيين و متحضرين في هذا البلد , لابد علينا أن نقبل بتنوّعنا و اختلافنا وأن تبقى حريّة التعبير فوق الجميع
ليسأله المدعي العام : هل ستصمد هذه القصيدة -محاولاً التقليل من شأنها –
ليرد المحامي بأن المحاكمة هذه كفيلة بأن تكون القصيدة الأشهر في القرن العشرين بأكمله و ذلك ما كان حقاً .

أما عن جيل الرفض : فقد بدأ تقريبا مع الروائي جاك كرواك *2 في عام  1948  ثم بعد ذلك  بديوان ألن غنسبرغ تحت عنوان "  عواء وقصائد أخرى " .
وما لبث إلا أن تبوأ ألن غينسبرغ مكانةً هامة وثقلاً ثقافياً في داخل تلك الحركة الثقافية الناشئة في الغرب  (سان فرانسسكو)  كحركة ثقافية لا مادية عام 1955.
فقد كانت الحركة ترفض الهيمنة و العنف و تنتقد الحروب الأمريكية بشدة - لا سيما حرب فيتنام في ذلك الحين  ،  و  تدعو للسلام  فقد كانت خصماً صريحاً محارباً بشكل واضح وجاد السياسة الأمريكية الخارجية  .
بدأ روّادها بالتحرك في الشارع من خلال التحدّث بلغته  و الانفتاح على الآخر ( الأفرو – أمريكي ) . كانت الحركة تطارد شبح اليأس المحلّق فوق رؤوس الشباب ، لاعنين ( مولوخ) . والذي تكرر كثيرا في قصيدة عواء . (مولوخ الذي عيونه ألف نافذة عمياء )  .
كانت "عواء" موجهة  لصديقه كارل سولمون الذي التقاه في مصح عقلي في شبابه حينما إدعى ألن الجنون ليخرج من ذلك المأزق الذي ورطهُ فيه صديقه الكاتب المحتال هربرت هانك . كان قد مر بذلك المصح  كما كان قد مر به أيضا جاك كرواك . صاحب أشهر عمل روائي وقتها ( على الطريق )لقد كانت الحركة في سبيل التحرر من المادية و الانتهازية التي استبدت بالأرواح  فسلبتها العفوية  ومن ثمّ القداسة حيث أن كل شيء في هذه الأرض في منظور  آلن هو مقدّس .

نرجع لديوان ألن الشهير " عواء " الذي سحب من الأسواق بحجةِ  أنه إباحي و مليء بالمجون , ولكن آلن كان يؤكد أنه لا يريد إيصال تلك الفكرة للجمهور و يُصر بأن ديوانه لم يكن إباحياً أبداً بل أن الفكرة وراء تلك اللهجة الغير مألوفة في الشارع الثقافي , هو أنه يريد أن يوصل فكرة كيف يكون الإنسان عفوياً صريحاً يقول ما يريد بكل صراحة و بساطة و طمأنينة . لكن هذا الرأي يختلف عن رأي المدعي العام الذي  كان يراه خدشا للذوق العام .



لقد قلبت قصيدة عواء المشهدين الشعري و النقدي رأساً على عقب , و تضاربت الأصوات مابين منجذبٍ لها أو نافرٍ عنها . ولأجل ذلك الديوان المشئوم  ربما صدرت أكثر من خمسين قراءة نقدية في أكثر من خمسين كتاباً على مدى نصف قرن .

كان الأمريكيون يعرفون والت وايتمان*3 . كشاعر شهير وهم ربما لم يقرأوا له شيئا  و بعد ديوان عواء أصبح آلن غينسبرغ يحمل نفس صورة والت وايتمان في رأي الشارع الأمريكي , دون أن يعرفوا له قصيدة واحدة على الأقل , إن الأمريكان صنيعةُ الإعلام  من هذه الناحية برأيي .
ولد آلن لأم يهودية  و نشأ في كنف عائلة روسية الأصل  وأبٍ أرثوذكسي محافظ , الأم تنتمي لحركة شيوعية ، والأب شاعر ومعلم لغة إنجليزية . و الابن كان مناهضاً لكل العادات والتقاليد والسياسات التي سلبت الناس عفويتها و قداستها . كان يرى آلن أن تلك العادات و القيم سلبت البشرية كل معانِ الحرية والتعبير السليم و الأفضل. .
و بعد خروج أمه من مصح عقلي كانت  بقيت فيه ثلاثة أعوام , فجر آلن غنسبيرغ مفاجأة للمشهد الثقافي ألا وهو تصريحه التام بمثليته الجنسية .
حسبما ذكر الروائي ويليام بوروز*4 في مقال له يتحدث فيه عن آلن بعد وفاته : " كان آلن شخصاً عظيماً وسع تأثيرة العالم , كان رائداً للإنفتاح و أنموذجاً للراحة على مدى الحياة . لقد دافع عن حرية التعبير و الخروج عن جميع الدواليب*5 قبل أن يفعل الآخرون ذلك بمدة طويلة "


كتب آلن قصيدته (قاديش) وهي تعني (صلاة) بالعبرية وكانت  الأشهر في قصائده بعد عواء . وهي  برأي الكثير من النقاد مرثيةً لأمه التي ماتت في مصح عقلي دخلته للمرة الثانية ولم تخرج منه إلا للقبر .


رأى آلن في أن هيمنة الإنتهازية والمادية  وطغيان صوت التقليد أمات كل وهج للحياة في قلوب الناس و حارب بضرواة في مسعاه حتى أنه سجن مرات عدة . و بهذا نشأت حركة اجتماعية وثقافية واسعة عمّت أميركا وامتدت خارجها تأثر بها الكثيرون . موسيقيون . وأدباء و فنانون منهم " فرقة البيتلز"*6

فمثلاً حينما نسمع بوب ديلاند*7 بموسيقى الجاز و البوب .. وخلفه آلن يغني قصائدة بطريقة شرقية و كأنها تناغم الشرق بالغرب و تلغي تلك المسافات الواهية التي كونتها تكتلات من الثقافات و العادات و القيود البالية برأي آلن و كل متبعي حركة الرفض

امتدت الفكرة المناهضة للتقليد والتقييد التي ترفع شعار التحرر عنواناً لها داعيةً الشباب للثورة على كل المفاهيم ، للإدمان ، للبحث عن النشوة عن اللذه للغوص في أعماق تلك الأبعاد الجديدة اللامألوفة , التي كانت محرمةً , مرفوضة في كل المفاهيم الأبوية , كان آلن انذاك يتخلى عن طور الشاعر البوهيمي ليتلبس روح السياسي النجم بشكل تام , يتحرك بقصائده بطريقة مسرحية فانتازية مُلفته  بالرغم من أنه كان مؤمناً بها وبما يقوله فيها , إلا أنه كان يروج لها بشدة , و يخرجها من طور القصيدة ,فهي الان و بلا شك أداةٌ سياسية – دعائية , لقد مؤكداً على أن فكرة ( مولوخ ) واتته لحظة انتشاء . إن مولوخ في ثوبها الصناعي الجديد هو تلك الآلة الحديدة التي تأكل كل شيء.! و البشر يتحركون تحتها بانتظام لتبتلعهم , واحداً تلو الآخر ..





في الستينيات بدأت طرق الهيبييّن*8  تغزو الشارع . الهيبيون الذين تحدّث عنهم كثيرا في قصيدته عواء أو عويل . مالبث أن عمّ الشارع الأمريكي مظاهر لشبّان متحررين عن كل شيء لهم ,طريقتهم في اللباس وفي إطالة الشعر . (فرقة البيتلز إنموذجاً ) . مع الوقت كان هناك في كل مطعم أو بار  مدخلان على أحدهما يكتب (Hippies from there) وسهم مرسوم للباب الآخر  أو عبارة hippies use side door و هذا كان تعبيراً عن رفض المجتمع لتلك الظاهرة التي انحسرت شيئاً فشيئاً بعد ذلك حتى تلاشت مع بداية الثمانينات و لا نراها إلا في جماعات هشة حالياً ليست قوية كجماعة الهيبيين الروسية الجديدة , وبعض التجمعات الصغيره في امريكا ..

ففي الثمانينات ؛ أولئك  الشبّان الذين بدأو حياتهم يرفضون الحرب وطغيان المادية ، ويدعون للحب والسلام ، ويحرجون السياسيين كثيرا ويزعجون السلطات ، قد بدأوا يكبرون وقرر كثيرون منهم العودة و الإندماج  في المجتمع المادي ، وكانت الفكرة تتشكل بلون أكثر ودية ومهادنة لتنشأ الكثير من منظمّات السلام الأخضر وحقوق الإنسان والحيوان . التي كانت أحدها (منظمة السلام الأخضر )*9 التي احتفلت قبل أشهر بمرور أربعين عاماً على تأسيسها .




عام 1997 اكتشف الأطباء مرض آلن بالسرطان . ليلتها كتب 12 قصيدة قصيرة ، ودخل في غيبوبة من الغد ومات بعد يومين .
كانت وفاته في 5 مارس من 1997 و في اليوم التالي تحولت الولايات المتحدة لحالة من الحداد و كانت الصحف الأمريكية تركز على الموضوع بشكل ضخم فكتب الكثيرين عن وفاة آلن من كتاب و نقاد و فنانيين و حتى سياسيين في الكثير من الصحف الأمريكية و الغربية كواشنطن بوست و نيويورك تايم و غيرها



*هوامش
___________________________________________
1-           مولوخ (Moloch, Molech, Molekh, Molok, Molek, Molock, or Moloc) هو إله سامي قديم، هو إله الفينيقيون، إنتسب تاريخيا إلى ثقافات عديدة في كافة أنحاء الشرق الأوسط منها ثقافة العمونيون والثقافة العبرية والكنعانيةوالفينيقية, وأيضا ثقافات بلاد الشام وشمال أفريقيا. مولوخ كان إلها ذو نزعة شريرة، كان لا يرضيه شيئا إلا قرابين الأطفال, التي كان الفينيقيون القدماء يقدمونها له لإرضاءه، فيتم حرق الأطفال بالقرب من مذبحه وتقديمهم له كقربان.في الاستعمال الحديث باللغة الإنجليزية يمكن أن يدل اسم مولوخ على أي شخص أو شيء يتطلب تضحيات غالية.

2-هو الروائي و الشاعر الأمريكي جاك كرواك ولد 1922 و توفي 1969 إثر نزيف داخلي بسبب تعاطيه الكحول على المدى الطويل , اشتهر بإسلوبه العفوي الثائر و أحد مؤسسي حركة الرفض جنباً إلى جنب مع آلين غنيسبرغ


3-والت ويتمان (31 مايو 1819 - 26 مارس 1892)، شاعر أمريكي. كان أول شاعر أمريكي يحوز إعجاب الأمريكين والأوربين على حد سواء. يعد والت ويتمان رائداً للشعر الأمريكي، كما يعد مارك توين رائداً للرواية الأمريكية ،ويوجين أونيل رائداً للمسرح الأمريكي.يُعتبر أهم شاعر عبر عن الديموقراطية الأمريكية.اعتبر علماء النفس أشعاره دراسة خصبة لمكونات النفس البشرية.
اعتبره النقاد فيلسوفاً،إذ كان يملك النظرة الشاملة المتكاملة إلى الكون والأحياء، وهي النظرة التي احتوت الإنسان والمجتمع والعلاقة بينهما من حب وديموقراطية وغموض وصراع.

4-ويليام بوروز (بالإنجليزية: William S. Burroughs) كاتب أمريكي مولود في 5 فبراير 1914 في مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الأمريكية و توفي في لورانس بولاية كانساس سنة 1997 أشتهر برواياته ذات الطابع الخاص و التي غالبا ما تمزج بين الفانتازيا و الواقعية و تتحدث عن المخدرات و الشذوذ الجنسي و الترقب، كما أنه كان أحد رموز البيت جينيريشن.


5-الدواليب مصطلح رمزي يستخدم في التحدث عن الأمور التي لا يود الكاتب ذكرها و القصد بها هنا " مثلية آلن جينسبرج " و مواجهته للمجتمع بأمرها .

6- البيتلز أو الخنافس كانت فرقة روك غنائية بريطانية تشكلت في ليفربول في عام 1960، وأصبحت أكبر الفرق الموسيقية نجاحاً وأشهرها في تاريخ الموسيقى الشعبية [2]. تألف فريق البيتلز من جون لينون (غيتار الإيقاع، غناء) وبول مكارتني (غيتار البيس، غناء) وجورج هاريسون (غيتار رئيسي، غناء) ورينغو ستار (الطبل، غناء). انطلقت شعبية البيتلز الهائلة مع ظاهرة "البيتلمانيا" (Beatlemania) أو "هوس البيتلز" والتي جعلت تأثير البيتلز ليس مجرد تأثير في نطاق الأغاني الشعبية، بل إن نفوذها امتد إلى الثورات الاجتماعية والثقافية في الستينات فكما ان مايكل جاكسون انجح مغني منفرد في التاريخ ,البيتلز هم انجح فرقة موسيقيه في التاريخ بشهادة الارقام والنقاد أيضاَ.

7-بوب ديلن اسمه الحقيقي روبرت ألن زيمرمان ولد في 24 مايو 1941 هو مغني وملحن وشاعر أمريكي يتمتع بصوت رائع ومرن، وكلمات أغانيه فيها من الحكمة والاحتجاج الشئ الكثير لانه كان من الطبقة العاملة والمضطهدة بأمريكا، كما أن تم استخدام بعض أغانية كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيون

8- الهيبز (بالإنجليزية: Hippies) ظاهرة اجتماعية كانت بالأصل حركة شبابية نشأت في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ثم ما لبثت أن انتشرت في باقي دول الغربية. وتعتبر هذه الحركة مناهضة للقيم الرأسمالية، حيث ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك، فقام بعض الشباب المتذمر إلى التمرد على هذه القيم والدعوة لعالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام. ميزوا أنفسهم بإطالة الشعر ولبس الملابس المهلهلة والفضفاضة والتجول والتنقل على هواهم في مختلف الأنحاء كتعبير عن قربهم من الطبيعة وحبهم لها.


9-غرينبيس (بالإنجليزية: Greenpeace) وتعرف في اللغة العربية بأربع مرادفات (غرينبيس، جرينبيس، جرين بيس، جماعة السلام الاخضر). منظمة عالمية مستقلة تُعنى بشؤون البيئة. نشأت في العام 1971 في فانكوفر في كندا.تنظم غرين بيس الحملات البيئية في المجلات التالية: الدفاع عن البحار والمحيطات، حمايات الغابات، معارضة التكنولوجيا النووية, إيقاف التغيير المناخي, معارضة استعمال الملوثات، تشجع التجارة المستدامة بالإضافة إلى معارضة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.

الأحد، 31 مارس 2013

اليهودي الحالي , و أشكالية الأنا الآخر




اليهودي الحالي

رواية سردية للأديب اليمني : علي المقري
صدرت عن دار الساقي بـ149 صفحه من الحجم المتوسط عام 2009



بحكم عدم اهتمامي الكبير في الطرح الروائي العربي الحديث لم ألقِ لها بالاً و لم أفكر في قراءتها , و ظننتُ بأنها من الروايات المعتادة التي تكرر ثالوث الفرقعة الإعلامية العربية المعتادة " خصوصية المجتمعات المغلقة – الجنس – قصص العشق " ذلك الثالوث المبتذل الذي يرتكزُ عليه كل الروائيين الخليجيين بشكل عام , والذي لقي رواجاً ضخماً لدى شريحة " القارئ البسيط " الذي تأسره الدهشة في جرأة الطرح المحاكي للصناديق الإجتماعية المغلقة , تلك الصناديق التي من المحرم عليه فتحها للعيان و عرضها على الملأ , فهي تتداول فقط في مجالس الأصدقاء و في السر فقط .

بنيت تصوري المسبق على خلفية الخيبة لدي من الطرح العام و قررت عدم قراءتها رغم تلك البهرجة الإعلامية حولها ..
و لكن قبل شهرين تقريباً , ذهبت لمعرض الكتاب الثالث في جامعة جازان , ذلك الحدث الإعلامي المضجر الذي يفتقر للكتب و يكتظ بالفلاشات و الإعلاميين و الطلاب الباحثين عن الكتب الجامعية , التقيت في ذلك الحين بأعضاء نادي القراءة بجامعة جازان , بالأخص الشاعر الرائع عبدالله عبيد الذي كانت دعوته لي شخصيه للحضور في آخر أيام هذا المحفل الثقافي الصوري , و تعرفت حينها على مجموعة من الشعراء الواعدين أمثال وليد مجلي و أحمد يعقوب و طبعاً الشاعر النشط جداً إياد الحكمي دار حديث بيننا عن الرواية العربية و قلت رأيي المتصلب بكل ثقة و أنا  أحمله منذ سنوات حسبما أراه من أشباه الروايات السخيفة التي تتصدر المشهد الروائي , حتى قال لي أحمد يعقوب هل قرأت " اليهودي الحالي " ؟
قالها بطريقة تجيد الدهشة حقاً , جعلتني ألتفت له متسائلاً : ما قصتها ؟
قال لي اقرأها و أكتفي بها لعلي المقري و إبتعد عن روايته حرمه , فهي موسومةٌ بالثالوث الإعلامي المقيت ..

قبل أيام قام أحد الأصدقاء بإهدائي إياها , وهو يصر على أن اقرأها , يا الله! ماهذه الرواية التي ينصحني الجميع بقراءتها ؟ حتى حسين العُمري يقول بأنها غيرت حياته !
و كأنه يتحدث عن أعمال ديستويفسكي أو تولستوي , سأقرأها ..

كانت مدة قراءة الرواية لا تتجاوز 80 دقيقة , لماذا انتهت بهذا الإيجاز و بهذه السرعه ؟ لمَ تلك الأعمال القاصمة تمر وكأنها تركض ملوحةً لنا , أو نحن من يمر بها و كأننا ننظر من نافذة حافلة مسرعه تمر عبر دكاكين قرية نائية يسكنها بعض العجزة و المزارعين الذين طغت الحياة على ملامحهم , و استوطنت وجوههم بكل وحشية القدر !
هذه الحياة ظالمةٌ جداً , ظالمةٌ لدرجة أنها تسرق جسد فاطمة وروح سالم , لقد سرقنا معهما , و آمنّا بمذهب فاطمة .. ذلك مذهب الشيخ الأكبر !

لقد سلب علي المقري بنفسه فاطمة و اليهودي الحالي , لقد قدمهما بطريقةٍ لا تليقُ بهما .. السرد ليس رواية بل هو سيرةٌ ذاتية , لا أظن بأن اليهودي الحالي سيقدم سيرته الذاتية بهذا الإيجاز , إكراماً لفاطمة لن يفعل .. إن الفاعل هنا هو علي المقري بشكلٍ فاضح , إن القصة كان أضخم من ذلك الإيجاز المفرط , وبسمة فاطمة أبلجُ من ذلك التقرير الذي زعم علي المقري بأنه على لسان اليهود الحالي أو على لسان حفيده ابراهيم في آخر المطاف , ضاقت القبور بفاطمة و سالم و ضاقت سريرة علي المقري بهما كذلك , فذلك الإحساس الإنساني العميق لا يستطيع اختزاله قلم , مهما كان هذا القلم .. البعض قد يقترب من كامل المعنى كديستيويفسكي مثلاً !
إن ما قرأته أشبه بصراع الأنا الآخر لهو دلالة رمزية على ألف ألف فاطمة و ألف ألف علي إبن المؤذن , فجميعنا نُدكُ مابين المؤذن و أسعد , ما بين هزاع الممتلئ حقداً و المسلم المتعالي الممتلئ جهلاً و كبراً , كيف لهذه القصة أن تنتهي ونحن شخوصها في أغلب الأحيان نتبادل الأدوار مابين فاطمة و صبا مابين سالم و علي .. و الكثيرون هم أسعد و المؤذن , و أنا حاييم .. دوماً أنا حاييم أغني ثملاً ..


** hatimovich