الخميس، 31 مايو 2012

أنكون شعباً بلا زمن .. أم بلا هوية !






أن السؤال دوماً : مالذي اصاب الشعب السعودي , و لماذا دوماً نحن مختلفين عن باقي الدول الإسلامية ..
سيهِبُ أحد أتباع الحزب اليميني قائلاً : لأننا مهبط الوحي , و أصل الدين و على العقيدة الصحيحة لذلك نحن مستهدفون من و من ومن ...
لن يبقي ذلك اليمينيُ أحداً إلا و أقحمهُ في دائرة الإتهام , وهي اسهل الدوائر و أقرب الحلول للتهرب من الإجابة أو من المسؤولية وقذفها في رحم المتآمرين " إن وُجدوا أصلاً "
لن اتطرق لهذه المؤامرة في مقالتي .. فقد أوردتها وتحدثتُ عنها في مقالتي السابقة " مؤامرة الوهم " حسناً إذاً لنبحث قليلاً عن الإجابة عَلها تَكمن بعيداً عن أجندة المتآمرين ..

وقعت هذه الدولة من بعد 1980 تقريباً في براثن تيار أحادي مُتمكن بإسم " الصحوه الدينية " و لنسرد تاريخ الصحوة منذ البدء و ارهاصات نشأتها بدايةً من جماعة الإخوان و تأسيس الدولة إلى حادثة جُهيمان التي صَعدت تلك "الصحوة" على الناحية السياسية و الثقافية و الاجتماعية حتى أصبحت سائداً في المجتمع ..


وعلى الناحية الأخرى ظهرت مع بداية الألفية تقريباً ظهرت " الليبرالية على الطريقة السعودية" لتهدد وحدة التيار الديني الصحوي المُحافظ على نهجه و خط سيرة , وشيئاً فشيئاً اصبحت العدو اللدود لهذا التيار و العكس صحيح , فكلاهما عدوٌ للآخر .. في معركة البحث عن " السلطة"
فهنا نستطيع القول بأن التيار الديني التقليدي " حزب اليمين" وعلى الضفة الأخرى التيار اليساري التنويري " الليبراليين على الطريقة السعودية " كلاهما ينشد حرباً للإطاحة بالآخر .. بشتى السُبل و الطرق !


-      أنت ضدي .. اذاً أنت كافر
من حُمى التكفير المُستشريه في التيار الديني , وبرأيي إن التكفير هو محاولة ناقصة و إثبات أعرج " لكمال المُكَفر " و محاولته لبس عباءة الكمال و الفضيلة و السمو الديني , والتكفير لا يعتبر " أمرٌ محقق " إنما هو "رأي" يقبل الرفض في كثير من الأحيان , و في اغلب الأحيان مايكون التكفير ورقة إقصاء للخصم , فتكفيرهُ و تأجيج العوام ضدهُ أسهل بكثير من مواجهته دون ضمان الإنتصار ..
و بما أن السائد متشبع بالتيار الصحوي .. حتى أصبح بالنسبة لهُ منهجاً و مُسيراً دينياً , ما زاغ عنهم إلا هالك مُبتدع وفي الأخير " زنديقٌ , كافر "
كانت الامر أشبه بما يكون طرفه بالنسبة للتيار الديني في حُمى التكفير , قبل أن يتحول لآفه نتاجها التيار الجهادي الأصولي " القاعدة " الذين ما فتروا الا وكفروا الدولة بحد ذاتها , فأباحوا الدماء و أزهقوا الأرواح , فكانت النتائج الوخيمة واقعةٌ على رأس التيار الديني ..
وبغض النظر عن تاريخ القاعدة أو الصحوة ..
نأتي هنا لأساس التكفير كما يَزعمون أنهُ مُنطلقٌ من المرجع الأساسي للأمة " القرآن الكريم "  حسب فهمهم الأحادي له , وبذلك إختزلوا التأويل و التفسير لمذهبهم و أسقطوا كافة طرق الإجتهاد " إن لم تكن تُوافق رأيي , فأنت مُبتدع وفي الأخير كافر " و استعجب كثيراً , كيف يَحقُ لمؤمن تكفير مؤمن مثله .. والله عز وجل يصف نفسه في مُحكم تنزيله بـ " الرحمن الرحيم " و قوله عز وجل " إن الله بالناس لرؤوفٌ رحيم " و قوله عز وجل "كتب ربكم على نفسه الرحمة " وقوله عز وجل " قولوا للناس حسناً "
ونأتي هُنا لجزئية ما الهدف من التكفير اساساً ؟ هل تكفير رجل مسلم و هدر دمه و ماله من [ رحمة ] الله جل وعلى ..أو مما أمرنا به الله أي و هو [ القول بالحسنى ] هل في التكفير حُسنى للناس و انكار " انتقاد " ..
هل يجوز تكفير الناس و اخراجهم من دين الله على مسائل خلافية , أو قضايا جُزئية واقعه في طور الإجتهاد ؟
إن فرعون أشد الناس كُفراً ومع ذلك ارسل الله نبيهُ موسى عليه السلام و اخاهُ هارون آمراً إياهُم باللين و القول الحسن في قوله عز وجل " إذهبا إلى فرعونَ إنه طغى فقولا له قولاً ليناً , لعلهُ يتذكر أو يخشى "
هل كان الله جل جلاله لا يعرف خاتمة فرعون وكفره ؟ أم هي حكمةٌ منه سبحانه ليبلغ نبيه بمبدأ " القول اللين " و لطف الله بعباده ..

أن بالتكفير لذةً لاتوصف .. إنها لذة الاستعلاء و التكبر و البراءة و الطهورية , فهم لا يزدادون قناعةً بقوة إيمانهم .. إلا بتكفير مخالفيهم فبه الخلاص والإخلاص
و من طرائف التكفير قصة عبدالله نهرو الطنطاوي الذي كان اشهر المُكفرين على اتفه الاسباب و يراها برأيه آثاماً عُظمى : كالصلاة في المسجد [ لأن الحكومة الكافره هي من قامت ببناءة , أو دخول المدارس أو حمل الهوية الوطنية و .. الخ
و يروي عبدالله نهرو قائلاً : انه بدأ النقاش مع جماعته في الزنزانه بعد صلاة المغرب و كانوا ستة اشخاص , فأختلفوا , فكفروا بعضهم , فحين دخلت صلاة العشاء صلى كُلٌ منهم العشاء لوحده !!


لازمن أو لا وطن !

ان آفة الخلاف مابين التيارين اليميني واليساري أن كُلٌ منهُما يرى في ابشع افعال الآخر ولا يرى نفسه ..
فاليمين يرى بالشمال الإلحاد و الكفر والإنحلال الأخلاقي
و اليسار يرى في اليمين التخلف و جمود العقل و الانغلاق و السطحية
فلا هذا يسير ولا هذا يعبر يتناحرون فيما بينهم وفي كُل طعنة يكيلها أحدهم لا تصيب الاخر .. بل هي تُدمي خاصرة الوطن و كم من الطعنات سيحتمل الوطن !

في مقولة لعبدالله ابن المفقع اصاب بها اصل الخلاف قائلاً : " الدين تسليم بالايمان , و الرأي تسليم بالاختلاف , فمن جعلَ الدين رأياً غرضه للإختلاف , ومن جعل الرأيَ ديناً قدسّه "
و خلاف الطرفين أن اتباع الأول قدسوا رأي فقهائهم في الدين فأصبح الدين ما يراه الوعاظ و الفقهاء وكلامهم .. امتداد لقول الله , وهذا شأنٌ خاطئ و آفةٌ عُظمى تجعل الرأي أحادياً و المجتمع كله يسير على رأي واحد مخالفهُ " كافر "
وفي الناحية الأخرى التيار اليساري , يكفر برأي الأول كفراً بواحاً , لأنهُ لا يقبل التبعية ولا يقبل الوصاية ولا يقبل أن يُفرض عليه أي رأي لا يناسبه ..
بإمكان أي شخص أن يتفقه و يُكَون رأيه الخاص و تصوره عن الدين مادام لم يجعل المُقدس نفسه " الدين " عرضة للإختلاف في المسائل الأساسية و الاختلاف يكمن في الجُزئيات و التأويلات ..
مثلاً : لك أن تُحرم تغطية الوجه مثلاً و لي أن أرفضها .. هذا رأيٌ لا وحي , لن أكفر أن رفضته ولن أُكفرهُ إن أمرتَ به فقط [ اتركني وشأني ودعكَ بشأنك ]
فالاختلاف واضح في المذاهب الأربعه لا خلاف عليه .. ومن يفرض رأيه و يُبَدعُ بقية الآراء و يُسقطها يكون جاهلاً

إن هذا التناحر يقهقهر الوسط في المجتمع , ويفرض عليه التَحزُب رغماً عنه ,حتى أن البعض يسألُ من أول حديث لك معه " أنت مطوع ولا ليبرالي؟ " فإن قُلت أنا وسط .. أسقطك , و إن التحزب بين الشباب يسير على أشده فدوماً يرى الشباب في الوسط .. الصمت و الخنوع و الخوف , فيريد الإثبات وهذا الامر برمته كَونَ جيلاً ممسوخاً , مابين الغلو و الإنحلال , مابين الإنغلاق و التحرر التام ومابين البين مصيره الإنحياز إن لم يتغير الوضع

على تويتر غرد الأستاذ شايع الوقيان تغريدة ثَريه قال فيها " حاول المحافظون تقليد ابائهم فنسوا انفسهم , وحاول المجددون أن يُقلدوا اصدقائهم , فنسوا انفسهم "
و اتفق معه في ذلك تماماً , فمع طفرة مواقع التواصل الإجتماعي , ظهرَ وبتجلي قدر الإتحقان في الشارع السعودي , و تلك المعارك الكلامية لاتنتهي و كثيراً ماتبدأ بسب وشتم و تنتهي بتصيد وتأليب و إسقاط , وهي اشدُ مراراةً و خطراً على المجتمع من الحرب الحقيقية , لنأتي ونفكر مُجدداً , ماللذي يُريدُه رواد الحزبين حقاً
هل هذه المعارك و الحروب الكلامية التي اشبه ماتكون بحرب الضرائر ونميمتهن وكلٌ منهن تُكيل المكائدَ لتلمع نفسها أمام الزوج .. والزوج هنا " المجتمع , الحكومه " وتلعب الحكومة حيزاً أكبر كونها مالكةُ القرار .
هل هي حرب للحفاظ على الدين كما يزعم أهل اليمين , أم معاركٌ للتنمية و البناء كما يزعم اليسار , وهل بالحرب أصلاً تنمية .. مزيدٌ من الحقد و الإنشقاق و الفرقه
و الوسط .. هو الشعب الضحية دوماً ودائماً
إنها معاركٌ هوجاء لإثبات الرأي و الإنتصار الفكري لا أكثر , وكلا الطرفين يقودنا إلى التهلكة بلا محالة , فاليمين الذي يُحاول جاهداً إيهام نفسه بأن خلاصه و رفعته في إستنساخ الماضي و لصقه في الحاضر لهو أشبهُ بالحياة أمواتاً , فيصرخُ أحدهم قائلاً : لقد كان المسلمون في الماضي وكانوا وكانوا , لنكن مثلهم !
لن نكون مثلهم طبعاً لأننا أوقفنا الزمن وشوهنا الماضي بهذا النهج الميت , في الماضي كان المسلمون في دأب لا يتوقف نحو العلم فأبتكروا كل العلوم من رياضيات و فيزياء و كيمياء و فلسفة و منطق و شعر و فن و أدب بشتى صورة و ألوانه , كانوا منفتحين على كُل الأديان و الأقوام , في مدينة قرطبة بالاندلس كان اليهودي جاراً للمسلم و النصراني جاره الآخر , مُتآخين مُتاحبين كُلٌ مُلتزمٌ بدينه وكُل يعمل لرفعة مجتمعه , لم يكن السُني حينها يقاتل الشيعي , ولم يتصيد السلفي للصوفي , مهما كانت طائفتك أو مذهبك أنت مُسلم , و أنتَ أخي !
ان الفرقة تولد الضعف , والانغلاق على الماضي الزائل موت و وهن , و الدين قائمٌ منذ 1400 عام لم يخالهُ زلل و لا خلل , الخوف هنا ليس على الدين  بل على الفكر الهش و التأويل الضعيف الذي أقمت منهجكَ عليه !

و اليسار لن أُزكيه , ففعلته شنيعةٌ أيضاً فهو اضعف من أن يؤسس منهجاً مترابطاً إسلامياً يجمع فيه التدين والعدل و كافة اسس الديمواقراطية , فآثر أن يستنسخ النسق الاوروبي و تنظيره بتعديل طفيف و الأمر بفرضه و العمل به وهو يعلم أن النظرية ليست متكاملة وعند الممارسة ستسقط , إن الجمود و عدم قبول الرأي ضعف و جهل فكيف لليسار أن ينادي بالحُريات و احترام الرأي , وهو يتكالب على أول الإنتقادات و يصف كُل مُخالف بالرجعية و التخلف ..
فلا اليمين مشبعٌ ولا اليسار .. كلاهُما ضرعٌ هزيل
ان النهضة لن تكون بالحروب الكلامية ولن تتأسسَ بالإنحياز والاقصاء فشعبٌ مُفترق لا خير فيه , ولكم في ملوكَ الطوائف عبره ..
و مادام رواد الطرفين في إقتتال دائم .. لن نتفقَ على رأي واحد و لن نقارب من وجهات النظر ابداً
لو استغنى الطرفين عن محاولة الإستئثار بالجمل وما حمل لن تقوم لنا قائمة ولن نكون أمةً فاعلة .. 


حاشية : لن نقبل أن نكون أمةً ميته , ولن نثور من الباطن مادام التناحُر قائماً
فالثورة ستضيع مابين اليمين و الشمال والشرق والغرب الثورة لا تتشرذم ولا تتحزب  ..




المراجع:
القرآن 
مقالات بعض الكتاب السعوديين
تويتر 

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف3:04 ص

    ان الفرقة تولد الضعف , والانغلاق على الماضي الزائل موت و وهن , و الدين قائمٌ منذ 1400 عام لم يخالهُ زلل و لا خلل , الخوف هنا ليس على الدين بل على الفكر الهش و التأويل الضعيف الذي أقمت منهجكَ عليه !

    رااااااااااااااااااااااااااااائع ماعندي اي تعليق اكثر من انو اقول لك حبيت كلامك من باب وطني ماتكلمت من باب ديني ولا اي تيار اخر شكرا لك ولا تحرمني جديدك

    ريم التميمي / مُتحررة

    ردحذف
  2. غير معرف3:21 ص

    للأسف نحن نوعين إما أن نستحضر الماضي ونرغب في تطبيقة بكل مافيه من إملاءات او نستحضر الأخر الذي لايمثل هويتنا ونريد كذلك تطبيقة دون النظر اذا ماكان مناسب لنا ... كلا الطرفين يرى في نفسة بأنه على حق والأخر مخطئ دائماً .. لن نصل لمرحلة قبول الأخر الا اذا صنعنا حضارة تمثلنا اي في يوم من الأيام يكتب عنا التاريخ بأننا شعب متحضر وهنا لا أعني بالتحضر الثورات الصناعية او حتى التعري كما يفسرها البعض بل أعني بالتحضر قبول الأخر مهما كان دينة او مذهبة او معتقداتة بل هو المطالبة بالمساواة في الحقوق للجميع اي نرى في بلدنا للمسيحي واليهودي والسني والشيعي والمسلم وحتى المقيم في بلدنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات ولن نحقق كل هذا الا بإنهاء الصراعات الدائرة لدينا .


    لمى الراجي

    ردحذف