السبت، 23 فبراير 2013

الكبار يقتنصون الفكرة والصغار يقلدون - السرقات الأدبية -



-         - نُشر المقال لأول مره في المجلة العربية  العدد435 مارس 2013
              للكاتب : محمد محمود البشتاوي


شغلت قضية (السرقات الأدبية) الساحة الثقافية، ولطالما كان الجدال والسجال محتدماً، لاسيما مع وجود أوجه تفسر أحياناً (تداخل النصوص)، فيما يتحدث البعض الآخر عن (التناص) باعتباره أسلوباً في هضم الفكرة وإعادة إنتاجها.
ثمة آراء كثيرة حول (السرقات)؛ فإن حدثت مع كاتب كبير فهو في الأصل (صغير بالفطرة)، في حين يقع (الصغار) في فخ التقليد، ويكونون أكثر ميلاً للسرقة كما يرى القاص إبراهيم العامري، فيما يرى الشاعر محمد عريقات أن «الكاتب الكبير معرض لإغواء السرقة أكثر من الكاتب المبتدئ، يأتي ذالك بدافع الخبرة والحنكة، فالسرقة، بحد ذاتها، يحتاج مقترفها إلى موهبة خاصة (هاضمة)، يقرأ بعين ذئب».
أما الشاعر طارق الكرمي فيرى أن «السرقة هي سرقة وتحصل عند صغار الكتاب وكبارهم.. لا فرق بين كاتب وآخر بغض النظر عن نتاجه أو وضعه الأدبي»، ويؤكد أن سرقة كبار الكتاب تتم بطريقة ملتفة وغير مباشرة، فيما يقول الشاعر علي شنينات إن السرقات انتشرت في (زمن الإنترنت)،وأصبحت تحسب للسارق على أنها ذكاء في اقتناص الفكرة من فكرة بائدة, وبأن اللغة ليست حكراً على أحد، ويساعد على ذلك وجود مسوغات نقدية غير حقيقية، ولم تكن موجودة من قبل.

-الموهبة الهاضمة
الشاعر والكاتب محمد تيسير عريقات يؤكد في حديثه لـ(المجلة العربية) أنه اصطلح على السرقات الأدبية (الموهبة الهاضمة)، وتناولها في مقال له، أورد فيه شعراء كباراً، من العصر الجاهلي، (امرئ القيس وطرفة)، وحتى العصر الحديث، (نزار قباني ومحمود درويش). 
وفي هذا السياق يقول: «إن الشاعر أو الكاتب الكبير هو معرض لإغواء السرقة أكثر من الكاتب المبتدئ، يأتي ذالك بدافع الخبرة والحنكة، فالسرقة، بحد ذاتها، يحتاج مقترفها إلى موهبة خاصة (هاضمة)، يقرأ بعين ذئب، ويستمع بأذن مغناطيسية، وقلم يتقن الاستحواذ. كل ذلك يأتي مشفوعاً بالاسم والشهرة!.. وهنا تصبح السرقة تناصاً أو تلاصاً، أو حتى (توارد مصائر). لكن الكاتب المبتدئ، بسبب قلة خبرته وبراءته أيضاً، نادراً ما يقع في هذا الإغواء، فتجده يضمن أفكار غيره كما هي، دون تحريف، مقوسة أو يشير إليها بالهامش، والفارقة أنه لو فعل ووقع في التناص أو التلاص مع فكرة أو صورة، يصبح ذلك سرقة».
ويتابع صاحب ديوان (أرمل السكينة) قائلاً: «الذي يقرأ جاك بريفر يضبط في أشعاره تأثر نزار قباني الشديد به، وهذا وارد ومتفق عليه من قبل القارئ والناقد وكبرياء الشاعر.. إلا أن الأمر تعدى ذلك، فاستحواذ نزار على قصيدة بريفر المعنونة بـ(الإفطار) وترجمها حرفياً ومنحها وزناً وقافية لتخرج بصيغتها الجديدة في أحد كتبه تحت عنوان (أخرج من معطفه الجريدة) أمر يخرج عن نطاق البراءة ونزاهة الموهبة، إلى ما يمكننا الجزم بأن جرأة الشاعر هنا جاءت من استهانته بثقافة قارئه».
وعند سؤاله عن الشاعر السوري أدونيس، قال «من حيث أدونيس قد يكون الكلام عن انتحالاته شيئًا مكرورًا.. ولطالما وجدت هذه الأسطورة الأدبية من يعريها بموضوعية النقد من خلال العديد من المقالات والأبحاث والمؤلفات أبرزها كتاب (أدونيس منتحلاً).. لكاظم جهاد الذي قدم دراسة حول استحواذ أدونيس الأدبي وارتجاليته للترجمة مبينًا الخط الفاصل بين التناص والسرقة الأدبية.. كما أن الدكتور صالح عظيمة أصدر كتابه (شرائع إبليس في شعر أدونيس).. كاشفًا من خلاله سرقات أدونيس الشعرية والفكرية حتى كتابه (الثابت والمتحول) ونسبه عظيمة إلى معلم أدونيس ومرشده بولص نويا». 
أما محمود درويش فهو –والكلام لعريقات– «الأسطورة الأكثر جدلاً وحصانة من اختراق النقد لمنجزه الشعري، وذلك يتأتى من كونه الشاعر الرمز (القضية) ولما لاسمه من سطوة تمارس على وعي ولا وعي قارئه وناقده، فدرويش بحقيقته شاعر كبير متفرد بقدر ما هو مجموعة شعراء مهضومة.. ولعل الموهبة والبصيرة لا تكفي لصنع حالة كتلك بقدر ضرورة توافر الذكاء لدى الشاعر, وهذا ما امتاز به درويش.. وما يجب على ناقده أن يمتاز به.. فدرويش ليس منزهاً عما قام به غيره من الشعراء.. إنما الفارق فيما بينهم هو مستوى ذكائه وقدرته العجيبة على هضم ما هو من خارج قصيدته».
وحول سؤال (لماذا يسرق الأديب الكبير؟)، يجيب أن «الأديب الكبير خاصة العربي حينما يصل نتاجه أو منتجه، إلى ذروة الثراء، والتلاقي الإنساني، والحوار الكوني، يصاب بالنهاية، بينما الأديب الكبير (غير العربي) يتعافى بها، من هنا يبدأ أديبنا الكبير بقراءة الإبداعات الجديدة خاصة الإصدارات الأولى، محاولة منه لاكتشاف الجديد وتغذية مشروعه من خلاله. كما أن هوسه بأن يبقى حاضراً، يدفعه أيضاً إلى التهاون مع الشروط الفنية، والرقابة الجمالية التي يخضع لها نصه، فينحصر انشغاله على ديمومة النشر والظهور في مجلة أو صحيفة.. والنماذج كثيرة».
ويشير عريقات إلى أن «السرقة، أو غوايتها، أولاً وأخيراً هي من نتاجات المطالعة، فالذائقة لا تتكون من أطباق الصنف الواحد، وبما أن محركات البحث (الشبكة الإلكترونية) هي السبب الوحيد بمسخ الكتاب إلى نسخة إلكترونية، وإتاحة ملايين الكتب إلى القارئ بكبسة زر، أسهمت، بشكل غير مباشر، في زيادة حجم السرقات ولا ذنب لها في ذلك. فهي أيضا الذاكرة الحافظة لكل هذه الكتب والمعلومات، وبكبسة زر أيضاً يمكنك البحث عبر (جوجل) وتقصي الحقائق».

-لا ملكية للأفكار
من جانبه، يرى القاص إبراهيم العامري أن تعريف السرقة الأدبية كسطو مباشر على النص مع استبدال اسم الكاتب، فإن الكتاب الكبار لا يغامرون بفعل ذلك, وإن حدث فإن هذا (الكاتب صغير بالفطرة), بينما قد يقع كتاب صغار في هذا النوع من السرقة التي قد تكون تأثراً مبالغاً به يقلد به الكاتب حالة متكاملة من نص أصلي أعجب به. وإن كانت السرقة الأدبية تعني سرقة الفكرة الرئيسة أو الثيمة الأساسية للعمل الأدبي؛ فأنا أشارك توفيق الحكيم رأيه عندما قال (لا ملكية للأفكار، ولكن الملكية للنصوص). فالفكرة تسافر عبر الزمن، فتنضج في أزمان معينة، ثم تخبت في أزمان أخرى لاختلاف الظروف والثقافة السائدة». 
ويتابع العامري في حديثه لـ(المجلة العربية): «هناك كثير من الأعمال الأدبية المتأثرة بأعمال أخرى, مثلاً لا يمكن أن نقول إن قصيدة (لا تصالح) للشاعر أمل دنقل، كانت نوعاً من أنواع السرقة، إذ اعتمدت على (الوصايا العشر) في مقتل كليب. واتكاءً على رأي توفيق الحكيم أيضاً بأنه لا يوجد من أتى في الأدب بفكرة جديدة وإنما يستفيد الأدباء من أفكار من سبقوهم، بل إن كثيراً من كبار الأدباء كانوا نسخاً من أدباء آخرين. فشكسبير كان يشبه الأديب الإيطالي (بوكاتشيو)، حيث يقول المستشرق الإنجليزي هاملتون جيب في كتابه (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) بأن بوكاتشيو قد كتب روايته الشهيرة (ديكامرون) بنفس أسلوب وطريقة ألف ليلة وليلة، ومن ثم أتى شكسبير وكتب مسرحية (العبرة بالخواتيم) بنفس طريقة ديكامرون».
وفي حال ووقع الأديب الكبير في السرقة، يستبعد ذلك، وإن حدث «فإن هذا الأديب أما أن يكون مصاباً بحالة من النضوب الفكري الإبداعي أو قد يكون لم يحسن محو آثار السرقة كالمعتاد, وهذا يدل على أنه مزيف وليس أديباً تماماً كمزيفي اللوحات العالمية».
ويشير إلى أن محركات البحث الإلكترونية ساهمت في زيادة حجم السرقة إذ أن «العمل الأدبي الذي ينشر بمجلة إيطالية صباح اليوم يصل لقارئ في بورتيريكو في نفس الوقت, وهذا يعني أن الإنترنت عموماً ومحرك البحث خصوصا أعطى الأدباء نوعاً من توفر المواد الأدبية المختلفة من جميع أنحاء العالم ومن كتاب من مستويات مختلفة، وكما ساهمت محركات البحث في توفير المادة الأدبية للقارئ والبحث عنها بطريقة سلسة فإنها أيضاً تعطي الممحص في العمل الأدبي القدرة على عمل المقارنات والمقاربات سواء بإدخال النص الأصيل ومقارنته مع المقلد أو من خلال الأفق الواسع من الخيارات التي تسهل عملية كشف السرقة الأدبية»، ويختتم حديثه قائلاً إن «حقوق الملكية تقتصر على المصنفات المنشورة فقط».

-السرقة هي السرقة
الشاعر طارق الكرمي يرى أن هناك الكثير مما يقال في باب السرقات الأدبية؛ «فـالسرقة هي سرقة وتحصل عند صغار الكتاب وكبارهم.. لا فرق بين كاتب وآخر, بغض النظر عن نتاجه أو وضعه الأدبي.. لكن السرقة تحدث عند كبار الكتاب بطريقة ملتفة وغير مباشرة, وكأنك تحسها تناصاً كبيراً في ملعب هذا الكاتب. بمعنى أنه يوجد فرق في طبيعة وكيفية السرقة عند كاتب كبير وكاتب أقل منه.. وهو أن الكاتب الصغير لا يعرف كيف يتعامل مع السرقة مثل الكاتب الكبير ولا يعرف كيف يبررها أيضاً. فالكاتب الكبير يبرر السرقة على أنها الاشتغال على نفس الفكرة في العمل الأدبي, ويحدث هذا ولكن عندما تجد الكاتب يشتغل على مضمون فكرة لكاتب آخر وتجد عنده نزعة ذلك الكاتب بأنه يشتغل على العمل الأدبي بنفس النهج هنا سيقع في فخ أعماله أي الكاتب الكبير، وهذا نادراً مايحدث».
ويتابع الكرمي «أما عند الكاتب الصغير أو الكاتب المبتدئ فإنها تحدث عن طريق التأثر.. يتأثر الكاتب الصغير بكاتب كبير ويستلهم منه العمل حتى يكاد يكون نفسه.. وهذا تقريباً مغفور أو ذنب مغفور ولا يغتفر بنفس الوقت عند المبتدئ ولكن عند الكاتب الكبير هي جريمة ولها تبعاتها لأن هذا الكتاب المعروف الذي قام بسرقة جهد أدبي لآخر يفقد مصداقيته لدى القارئ ويصبح ورقة محروقة. لأن العمل الأدبي هو ثقة بالكاتب وبالحياة وبالنتاج الأدبي».
وحول سؤال (لماذا يسرق الكاتب الكبير)، أجاب الكرمي «لأنه يسرق.. هذا بكل بساطة, وهناك احتماليات للجواب أيضاً منها أن هذا الكاتب تأتي عليه مرحلة يكون مفرغاً ومصمتاً فعلياً فيقوم بنهب عمل لغيره ولكن عند المحك كما قلت لن يجد بعدها المصداقية لدى القارئ ويسقط في شر أعماله لأنه يكون قد نصب الفخ لنفسه ووقع وحده به.. ويلجأ الكاتب الكبير للسرقة من خلال اطلاعه الواسع من التراث». 
ويرى أن «هناك حسابات معقدة لدى سرقة كبار الكتاب بأنهم يعتقدون أن القارئ لن يصل إلى ما وصلته أيديهم.. بمعنى أنه يقوم بسرقة كاتب قديم جداً ومغمور.. أو يلجأ إلى سرقة شيء ما من كاتب آخر في حضارة وتراث آخر»، مؤكداً أن «محركات البحث الإكترونية الآن تساعد على استكشاف وكشف بعض هذه السرقات الأدبية.. العالم أصبح رهن كبسة الزر.. أصبح كل شيء تقريباً بمتناول لوحة المفاتيح ومحرك البحث.. ولكن هناك معضلة حقيقية بأن محركات البحث تكشف السرقات في معظمها ولكن تسهم أيضاً بمساعدة السارقين وتيسر لهم الأمر بالسرقة.. لأن هنا سيكون كل شيء متاحاً ومباحاً في نظر البعض, وما أريد قوله أنه ومن خلال محركات البحث سيكون سهلاً علينا اكتشاف السرقات وسيكون سهلاً على البعض أن يسرق وهذا هو الحال.. لا يوجد شيء في التكنولوجيا صالح تمام ولكل شيء سلبيته التي تكون كإيجابيته».
ويختم حديثه حول حقوق الملكية مؤكداً –بكل أسف– أنه في العالم العربي لا يوجد حقوق ملية فكرية واضحة المعالم و«هذه مصيبة كبيرة ومزعجة وتكون نقيض ما في العالم الغربي من حقوق نتاج أدبي. خذ مثالاً أنه في أمريكا أو أوروبا يوجد حقوق ملكية أدبية مثل الآيزو ومثل ملكية الاختراع وهناك حقوق طبيعية واضحة, أما لدينا هنا في العالم العربي للأسف يتضاحكون عندما يسمعون مثل هذا الكلام.. البعض لا يستوعب أن للعمل الأدبي حقوقاً فكرية وملكية وهذا إخفاق حقيقي لدينا». 

-مسوغات نقدية غير حقيقية
يبدأ الشاعر علي شنينات حديثه لـ(المجلة العربية) من بوابة الإنترنت التي أصبحت واجهة مهمة يقصدها المبدعون للوصول إلى القراء والمتابعين بصورة أسرع وأشمل، وفي ظل هذا التطور التكنولوجي لم يعد الكتاب هو المكان المقصود للقراءة، بل ظهر الإنترنت منافساً ضخماً له ولغياب الرقابة الإلكترونية كثرت السرقات الأدبية التي أصبحت ظاهرة لا يمكن إيقافها حتى في ظل القوانين التي تم إصدارها لحماية الملكية الفكرية على الإنترنت والقوانين الرقابية والتنظيمية التي تتعلق بالنشر في المواقع الإلكترونية
ويرى شنينات أن «السرقات أصبحت تحسب للسارق على أنها ذكاء في اقتناص الفكرة من فكرة بائدة, وبأن اللغة ليست حكراً على أحد والكثير الكثير من المسوغات النقدية غير الحقيقية لم تكن موجودة قبل اختراع الإنترنت»، ويذكر أن هنالك الكثير من النصوص سرقت ونشرت تحت أسماء مستعارة، وثمة نصوص أيضاً سرقت بطرق مختلفة كأن يؤخذ النص ويتم تقديم آخره على أوله وحشو وسطه بكلمات أخرى مشابهة. كل هذه السرقات حدثت وتحدث دون طائلة المسؤولية وعلى مرأى القوانين والمحاذير التي يتم ترويس المواقع الإلكترونية بها دون أدنى فائدة».
ويؤكد أن محركات البحث تسهم بصورة فعالة في الكشف عن السرقات فقط إذا استبعدنا ذكاء السارق، فهناك سرقات يتم بها سرقة الفكرة لا النص، وهذا لن يستطيع محرك البحث التعامل معه بطبيعة الحال، ويمارس هذا النوع من السرقة الكتاب الكبار الذين لهم القدرة على تحوير النص وتجييره، ولعل السبب الحقيقي وراء سرقة الكتاب الكبار هو رغبته في احتكار الفتنة والجمال وهو نوع من أنواع النرجسية الزائدة التي يتحلى بها كثير من المبدعين.

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف12:10 م

    اشكرك جدا استاذي العظيم هذا فعلا مايجول في نفوس ونتاج الكثير من الكتاب في هذا العصر للاسف يتكلون في ارضية الكتابات على الرسقات الادبية ولكن يعطونها لون من الوانهم الكاذبة ولو جلسوا مع موسوعة ادبية شخص مخضرم وغني ادبيا لتوضح لديهم مايقولون بغض النظر ان المقال كان له ميول اخرى ايضا لكن هنالك توضيح عن الذين كنت ارغب بذكرهم شكرا جدا

    ردحذف