يصرخُ في وجهها :
"سَتبتَعِدينَ ؟
قَررتِ إذاً !!
حَزمتِ حقَائِبَكِ , لَملمتِ عطُورِكِ وَ مُستحضَراتِك
تُبَعثِرينَ الحُجرةَ بَحثَاً عَن فُستَانِك الأحمَر فِي غَضب
لِماذَا لا تنظرين إليَ , أَ تتحاشِين رؤيَتِي ؟!
بَعد كُلِ مَا جَرىَ , مَن أنَا ؟!
لِمَاذا تَتجَاهَلِيِنْ نَظراتِي ؟!
وَ كَأننيِ لَستُ مَوجُوداً , أو جَامِداً
أهَكذا إعْتَدتي أنْ تُعَامِليْ مَن يُحِبك ؟!"
وَهِيَ لا تأبَهُ لِمُسائلاتِه , وَجُلَ مَا يَدورُ بتفكِيرهَا إيجَادْ فُستَانِهَا الأحمَرْ :
"مُجَرد غَرضٍ مَللتُ مِنهُ فَلأركُنهُ جَانِباً
فَتَارِيخُ صَلاحِيتهِ انْتَهىَ
فَأنَا اعْتَدتُ أنْ أغَيرَ قُشورِي باستمرار كالأفاعي
إلا أنْ الفَرقَ بَينِ وَبَينَهم أنِي أكثَرُ سُميه !!
بِلاَ أنيَابْ , فَسُميْ يَقتٌلُ القَلبَ عَلى الفَورْ
يَا إلَهِيْ , أينَ ذَلِكَ الفُستَانُ الأحمَر؟
لا أستَطِيعُ الذهابَ بِدونِه , كَيفَ سأصطادُ فَرائِسيْ ؟؟
كَيفَ سَأجْذُبهم , وَالفُستَانُ الأحمَرُ لا أجِدهُ
رُبَما تَحتَ السَرِيرْ فَأخِرَ مَرةٍ خَلدتُ للنَومِ مَعهُ كُنتُ أرتَديِه
لَم أجِده
سَأبحَثُ فِي غُرفَةِ المَعِيشة فَهُنَاكَ دَائِماً مَا كَان يُقَبِلُني
تَباً , أيْنَ ذَهبَ الفُستَانُ الأحمَر ؟"
تُبَعثِرُ الخِزانةَ بِعُنفْ :
"هَل رَأيتَ فُستَانِي يَا أنت!؟
يَا إلهي , أنَا بدونِ فُستَانِي كَالضَبعِةِ بِلا أنيَابْ
كَيفَ سَأصطادُ الحَمقَى العُشَاق
كَيفَ سَأهِبهمْ نَفسي , كَما يَظنونَ
كَيفَ سأسلُبهمْ أرواحَهُم فِيمَا بَعدْ
فُستَانِي الأحمَرُ مَا يَجذِبهُم
فَهو فِتنَتِي , سِحريْ
مَنْ سَيُقَبِلنيْ إنْ لَم أجِدهُ
مَنْ سَيلَبِي احتياجاتي السَافِرة !؟
مَن ؟
أكَادُ أُجَن ؟"
وَفِي زَخَمِ البَحثِ المُضنِي
وَ حُبَيبَاتِ العَرقْ العَطِرة تتصفد فِي جَبِينِهَا النَاصِع لِتَنزِلَ ببطء وَكَأنهَا جَدولُ مَاءٍ زُلالْ
لِتَروِي جَنائِنَ خَدِهَا المُمتَلئِ العَذبْ
وَفِي بَحثِهَا المُضْنِي
هَاهِيَ وَجدت الفُستَانْ !!
تَصِيحُ فَرِحةً
"أخيرا , يا للحَمد , شُكّراً يَا إلَهِي"
تَحضِنهُ وَ تُقَبِلهُ وَكأنَهُ رَضِيعُهَا
وَ تَقِفُ بِسرعةٍ وَتَتجِهُ للحَقِيبةِ كَالبَرق
تَضعُه فِيْ الحَقِيبَةِ وَتُغلِقهَا
وَهَاهِيَ تتنَفسُ الصُعَداءْ :
"آآآآه , حَمداً للهِ وَجَدتهُ"
تَحمِلُ حَقِيبَتَهاَ الثَقِيلة , وَتعَلِقَ حَقِيبةَ اليَدِ الباهظة الثَمنْ
تَتجِهُ قَاصِدةً البَابْ
وَهوَ يَقِفُ فِي حَسرَةِ عِندَ المَدخَل , وَحيِن َ خُروجِهَا
تَلتَفِتُ إلَيهْ , مُبدِيةً مَعَالِمَ الحُزنِ وَ ضَارِبةً خِمَارَ الدموع , وَفِي دَاخِلها خُبثُ الشَمطَاواتِ
تُحَدثُه :
" يَا أنتَ , لاَ تَحْسِبُني خَائِنةً لِهواكَ , أو كَاذِبةً فِي حُبِي
أنَا يَا أنتَ , لكَ عَاشِقه وَ بِكَ مَفتُونَةٌ حدّ الثَمالَةِ
ولَكِننا لا نُدرِكُ مِن هّذِه الفَانِيةَ مَا نُرِيد , وَهذا قَضاءُ الله
حَبِيبِي , سَأبْتَعِدُ عَنكَ لِأجلِكَ
فِإنْ جَمعَ اللهُ شَملَنَا فِي الغَدِ فَأنَا مُلكٌ لَك
إيَاكَ وَ الخِيَانة , فأنَا حَافِظةٌ لكَ الأمانة
لَن أخُونكَ مَا حَييت
لَن أُلامِسَ رَجُلاً غَيركَ
لَن يُقَبِلنِي غَيركْ
لَن أعاشر إلاكَ
فَأنتَ أنَا , أنتَ مَالِكي , وَسَيدي , وحَبيِبي
فأصدِقنِي فِي هَواكَ , وَإيَاكَ إيَاكْ الخِيانه "
تُقَبِلهُ قَبلةً بَارِدة , مَيتَةً عَلى غَيرِ العَادة
وَتَخرجُ مِن البَابْ الخَشَبيْ
تُحَاكِيْ النَفسَ فِي سُخرِيه
"يَا لهُ مِن أحمَقْ انطلت عَلِيه الحِيلة , سَينتظِرُ طَويِلاً
هههههههههه , أحمَق "
تَدخُل المِصعَد , وَتَنْزِلَ إلىَ الطَابقِ السُفلِي
وَحِينَ بِلوغِهَا بَابَ الخُروجِ مِن المَبنَى
تَسمَعُ صَوت رَنِين , تَضعُ الحَقائِبَ أرضَاً
تُدخِلُ يَدهَا فِي الحَقِيبةِ الفَاخِرة
وَتُخرِجُ هَاتِفهَا المَحمُول , وَردهَا اتصال :
"أهلاً حَبِيبيْ , هَلْ وَصلتَ إلىَ العِنوانْ ؟
حَسنَاً إذاً انتظرني , فأنَا عِندَ البَابْ
دَقِيقَةً وَ سَأصِل
أحِبكُ"
أغلَقتْ الهَاتِف أرجَعتهُ إلَى حَقِيبةِ اليَد
حَمَلتْ حَقَائِبهَا وَخرَجتْ مِن البَابْ
تَمشِي خُطوَتَينْ , فَتَقِف
تَلتَفِتُ إلى الخَلفِ , وَمنْ ثُمَ تَعقِبهَا بابتسامةٍ صَفراء
وَ كأنْهَا تَزْفِرُ بَقَايَا مَا تَكِنهُ للمَاضِي
تَمضِي فِي سَبِيلهَا بَعد ذَلِك , وَتَصعَدُ لِسَيارَةِ القادِم
بقلم :حاتم الشعبي 18/3/2009 لندن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق