الأحد، 31 مارس 2013

اليهودي الحالي , و أشكالية الأنا الآخر




اليهودي الحالي

رواية سردية للأديب اليمني : علي المقري
صدرت عن دار الساقي بـ149 صفحه من الحجم المتوسط عام 2009



بحكم عدم اهتمامي الكبير في الطرح الروائي العربي الحديث لم ألقِ لها بالاً و لم أفكر في قراءتها , و ظننتُ بأنها من الروايات المعتادة التي تكرر ثالوث الفرقعة الإعلامية العربية المعتادة " خصوصية المجتمعات المغلقة – الجنس – قصص العشق " ذلك الثالوث المبتذل الذي يرتكزُ عليه كل الروائيين الخليجيين بشكل عام , والذي لقي رواجاً ضخماً لدى شريحة " القارئ البسيط " الذي تأسره الدهشة في جرأة الطرح المحاكي للصناديق الإجتماعية المغلقة , تلك الصناديق التي من المحرم عليه فتحها للعيان و عرضها على الملأ , فهي تتداول فقط في مجالس الأصدقاء و في السر فقط .

بنيت تصوري المسبق على خلفية الخيبة لدي من الطرح العام و قررت عدم قراءتها رغم تلك البهرجة الإعلامية حولها ..
و لكن قبل شهرين تقريباً , ذهبت لمعرض الكتاب الثالث في جامعة جازان , ذلك الحدث الإعلامي المضجر الذي يفتقر للكتب و يكتظ بالفلاشات و الإعلاميين و الطلاب الباحثين عن الكتب الجامعية , التقيت في ذلك الحين بأعضاء نادي القراءة بجامعة جازان , بالأخص الشاعر الرائع عبدالله عبيد الذي كانت دعوته لي شخصيه للحضور في آخر أيام هذا المحفل الثقافي الصوري , و تعرفت حينها على مجموعة من الشعراء الواعدين أمثال وليد مجلي و أحمد يعقوب و طبعاً الشاعر النشط جداً إياد الحكمي دار حديث بيننا عن الرواية العربية و قلت رأيي المتصلب بكل ثقة و أنا  أحمله منذ سنوات حسبما أراه من أشباه الروايات السخيفة التي تتصدر المشهد الروائي , حتى قال لي أحمد يعقوب هل قرأت " اليهودي الحالي " ؟
قالها بطريقة تجيد الدهشة حقاً , جعلتني ألتفت له متسائلاً : ما قصتها ؟
قال لي اقرأها و أكتفي بها لعلي المقري و إبتعد عن روايته حرمه , فهي موسومةٌ بالثالوث الإعلامي المقيت ..

قبل أيام قام أحد الأصدقاء بإهدائي إياها , وهو يصر على أن اقرأها , يا الله! ماهذه الرواية التي ينصحني الجميع بقراءتها ؟ حتى حسين العُمري يقول بأنها غيرت حياته !
و كأنه يتحدث عن أعمال ديستويفسكي أو تولستوي , سأقرأها ..

كانت مدة قراءة الرواية لا تتجاوز 80 دقيقة , لماذا انتهت بهذا الإيجاز و بهذه السرعه ؟ لمَ تلك الأعمال القاصمة تمر وكأنها تركض ملوحةً لنا , أو نحن من يمر بها و كأننا ننظر من نافذة حافلة مسرعه تمر عبر دكاكين قرية نائية يسكنها بعض العجزة و المزارعين الذين طغت الحياة على ملامحهم , و استوطنت وجوههم بكل وحشية القدر !
هذه الحياة ظالمةٌ جداً , ظالمةٌ لدرجة أنها تسرق جسد فاطمة وروح سالم , لقد سرقنا معهما , و آمنّا بمذهب فاطمة .. ذلك مذهب الشيخ الأكبر !

لقد سلب علي المقري بنفسه فاطمة و اليهودي الحالي , لقد قدمهما بطريقةٍ لا تليقُ بهما .. السرد ليس رواية بل هو سيرةٌ ذاتية , لا أظن بأن اليهودي الحالي سيقدم سيرته الذاتية بهذا الإيجاز , إكراماً لفاطمة لن يفعل .. إن الفاعل هنا هو علي المقري بشكلٍ فاضح , إن القصة كان أضخم من ذلك الإيجاز المفرط , وبسمة فاطمة أبلجُ من ذلك التقرير الذي زعم علي المقري بأنه على لسان اليهود الحالي أو على لسان حفيده ابراهيم في آخر المطاف , ضاقت القبور بفاطمة و سالم و ضاقت سريرة علي المقري بهما كذلك , فذلك الإحساس الإنساني العميق لا يستطيع اختزاله قلم , مهما كان هذا القلم .. البعض قد يقترب من كامل المعنى كديستيويفسكي مثلاً !
إن ما قرأته أشبه بصراع الأنا الآخر لهو دلالة رمزية على ألف ألف فاطمة و ألف ألف علي إبن المؤذن , فجميعنا نُدكُ مابين المؤذن و أسعد , ما بين هزاع الممتلئ حقداً و المسلم المتعالي الممتلئ جهلاً و كبراً , كيف لهذه القصة أن تنتهي ونحن شخوصها في أغلب الأحيان نتبادل الأدوار مابين فاطمة و صبا مابين سالم و علي .. و الكثيرون هم أسعد و المؤذن , و أنا حاييم .. دوماً أنا حاييم أغني ثملاً ..


** hatimovich

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق