الأحد، 15 أبريل 2012

غايتي عيناكِ !





"
تقول لنفسك سوف أرحل !
إلى بلادٍ أخرى , إلى بحارٍ أخرى
إلى مدينةٍ أجمل من مدينتي هذه
من كل جمالٍ في الماضي عرفتهُ
لا أرض جديدةٌ , يا صديقي هناك
ولا بحر جديد , فالمدينةُ ستتبعُكَ
و في الشوارع نفسُها سوفَ تهيمُ إلى الأبد
و ضواحي الروح نفسها سوف تنزلق
من الشبابِ
إلى المشيب
و في البيت نفسِهِ سوف تهرم و تموت
لا سُفنَ هناك تجليك عن نفسك
آهٍ , ألا ترى !!
أنك يوم دمرتَ حياتك في هذا المكانِ
فلقد دمرتَ قيمة حياتك !!
في كل مكانٍ آخر على وجه الأرض
"


للشاعر اليوناني " كالماكافي "









-1-



تغص في أذنيّ كل الأصوات
صيحات , كلمات , ضحكات , وبقايا عبرات
أجراس كنيسةٍ و دوي " المترو " و أبواق السيارات
و تزدحم شتى الروائح في أنفي !
عبير وردةٍ جورية
و رائحة البن و النيكوتين
و كعكات " المافن " , عرق العمال
و نفح عطور فرنسية
لِتُصيّرَ لون الكون و طعم الكون على جرعات
أهذا الواقع فعلاً !
لِمَ لم أُدرِكهُ قبلاً , ولمَ لم أعرف مسبقاً ما صيرورة الحياة ؟
عذبةٌ كانت أم مرةٌ كطعم الشقاء !!
أدركت للتو أن هنالك ربيعاً بعد الشتاء
و أن الشمس تطلع دون اللقاء
و أن ضراوة القدر
يأتي من بعدها رخاء
و أني قضمت التفاحة كأبي آدم
و أنتي حثثتني على قضمها كأمنا حواء
و معضلة القدر تتكرر مادام هنالك عشقٌ و نساء
لأجل هذا نزحنا عن جِنان السماء
نعم أحببنا و أردنا القرب
و لكن الله لم يشاء !





-2-

أتعلمين ...
إن النسيان هو الميزة الفطرية , ميزة لا منسية
فضيلةٌ من السماء
نعمة إلهية كالماء و الهواء
و براءة الطفولة الباسمةِ
و صدق الدعاء
علمت بأن النسيان , علاجٌ للشقاء
و جالبٌ للضياء
فالحياة مستمرةٌ شئنا أم لم نشاء
علمت بكل هذا
وأنا مازلت أبحث عن نسيانك
تائهٌ في أزقةِ الذكرى و وعدٌ اللقاء !




-3-

ظننت ذات يوم
بأنني سأبدأ حياةً جديدةً في لندن
و أعيش في رغد الفكرِ و الرخاء
نعم , إن لندن كما سمعت عنها حقاً
فهاهنا " سوهو " و هنالك " بيكاديلي " و " باكينغهام "
و فعلاً , لا شيء هناك يغفو و لا حتى ينام
صدقتي بأن الغربة مفتاح الهذيان
و أن اللا انتماء
هو شفا هاوية النكران
و أن الروح هائمة سواءً في أرض الوطن
أو في لندن أو في أقصى البلدان
أتعلمين ...
أن وجه التشابه عظيم
مابين علمانية أوروبا و تزمت أرض العُربان
الشمس غائبة منذ رحيلك
و ما زلت أسير على غير هدى مع الركبان
و شتاءُ لندن قارصُ جِداً
كقلوب بني الإنسان
و غربة الأوطان ليست بشيءٍ أبداً
مادمت أقاسي من غربة الصحب و الخلان
فكل شيءٍ في لندن حبيبتي
كأرض الوطن بلا حسبان
تلفحني البرودة ها هنا
و يغلفني الضباب ليحجب نظري عن كل ما سواك
كالنظرات
و تصنع النسوة الأوروبيات
و بعض المظاهرات
لا بأس فكل العالم يصدح بالنداءات
في شكوى قمع الحريات !
و هضم الضروريات
و ديكتاتورية بعض العقليات
و طحلبة القناعات
و أرشفة القرارات
مازلت لست معتاداً
على تقبيل النسوة في الساحات
أو حتى النظر إليهم غير محجبات
كما نقول في الوطن هنَ " سافرات "
ومازلت أحنْ
لدعاء والدتي
و أشتم دخان البخور وشذى الريحان
و رائحة حناء جدتي




-4-

أتعلمين ..
إن لندن بلا " حب "
كالبركان بلا نيران
و الجزر بلا شطئآن
كالثورة بلا طغيان
كشعبٍ خلف القضبان
إن وجهي أمسى بلا عينان
و حلمي مازال هائماً يبحث عن عنوان
و ما زلت أتبع المجهول كسراب العطشان
و أملي كسرة خبزٍ يابسةٍ لتملأ خاوية الجوعان
لندن دونكِ
كأي بقعةٍ في الأرض تخلو من عيناكِ
ما افتقدت في لندن سواها إلا صيحات الحق تصدح بالأذان !







في فجر لندني باهت
الخميس 03/05/1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق